الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٢٩
أحلنا اختيار الإمام مع كونه عالما بكل الأحكام من جهة أن المتولي لاختياره من الأمة لا يعلم جميع الأحكام، فلا يصح منهم اختيار من هذه صفته، والإمام يعلم سائر الأحكام فيجوز أن يختار من يعلمها، ويفرق بين العالم بها وبين من ليس بعالم بالامتحان، لأنه عالم بها وبوجهة المحنة فيها.
وأكثر ما يمكن أن يقال هاهنا إن اختيار من يعلم كل الأحكام يطول ويتمادى ولا يضبط لاتساع الأحكام وتفرعها، ويمكن من ينصر هذه الطريقة أن يقول إن الأحكام وإن كثرت فقد ثبت بالدليل أن لله تعالى في كل شئ منها حكما مبينا إما بنص مجمل أو مفصل وقد يجوز أن يحيط بذلك عالم واحد، وكما يجوز أن يحيط به فيجوز أن يمتحن فيه بالمسألة عن جملة جملة وإن كانت مشتملة على فروع كثيرة وأحكام في أعيان لا تحصى، فإن ذلك لا يبعد على العالم بما يمتحن فيه لا سيما إذا كان معصوما موفقا وإن بعد على غيره، على أن المحنة لو تطاولت وتمادى زمانها واستبعدت لهذا الوجه لم يخل بما أردناه بالكلام، لأن غرضنا بيان أن الوجه الذي منه يستحيل اختيار الإمام ويجب النص عليه غير حاصل في الأمراء ليبطل بذلك قولك صاحب الكتاب: " فيجب أن يكون الأمراء عالمين بكل الأحكام وأن لا يجوز أن يرد التعبد باختيار أمير وحاكم للوجه الذي ذكرتم "، وما ذكرناه أولا أقوى وأولى بأن يعتمده.
قال صاحب الكتاب: " ويلزمهم على هذا الوجه أن يكون الإمام أفضل حالا في العلم من الرسول لأنه لا شك أنه عليه السلام لم يكن يعرف كل الأحكام بل كان الوحي ينزل عليه حالا بعد حال وأنه لم يكن يعرف بواطن الأمور فقد ثبت عنه عليه السلام أنه كان يحكم بالظاهر ويتولى الله تعالى السرائر وأنه يقضي بنحو ما يسمع وأنه إذا قضى بشئ لواحد لم يحل له أن يأخذه إذا علم خلافه إلى غير ذلك مما روى عنه في
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»