الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٣٤
اجتهد فظن أن الذي ولاه عالم بما أسنده إليه، ولم يكن كذلك لوقوع الخطأ منه، وأن الغلط جرى عليه في ذلك، وهذا ظن بعيد لا يرجع إلى حجة ولا إلى شبهة لأنا قد بينا أن الذين أخطأوا من الولاة كانوا عالمين، وإنما تعمدوا الخطأ ولم يتم على الإمام غلط في أمرهم، فليس يجب ما ألزمتنا عليه من جواز الغلط على الإمام في اجتهاده فيما يتولاه، على أن إلزامك مباين في الظاهر لتقديرك لأنه ليس يجب إذا ولى الإمام من وقع منه الخطأ أن يكون هو نفسه غير عالم بالأحكام، وإنما يجب أن يتبع هذا الالزام ذلك التقدير إذا ثبت أن الذين وقع منهم الخطأ من ولاته لم يتعمدوا الخطأ، بل كان منهم عن جهل، أو ارتفاع علم، ولم نرك قررت (1) ذلك، ولو قررته لما أجبناك إليه، ولطالبناك بتصحيح دعواك فيه.
قال صاحب الكتاب: " ثم يقال لهم: أليس قد ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يرجع في تعرف الأحكام إلى غيره نحو ما ثبت عنه في المذي (2) ونحو ما ثبت عنه من رجوعه في موالي صفية (3) عند

(١) قدرت خ ل.
(٢) " بتصحيح " ساقطة من المغني.
(٣) مسألة المذي مروية في كتب الحديث مثل صحيح البخاري ١ / ٧١ في كتاب الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه، وصحيح مسلم ١ / ٢٤٧ في كتاب الحيض، وفي غير الصحيحين أيضا وإجمالها: أن عليا عليه السلام قال: كنت رجلا مذاء، فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم - وفي مسلم، أنه المقداد بن الأسود - لمكان ابنته فسأله فقال (توضأ واغسل ذكرك) والمرتضى وأن وجه المسألة على وجه الفرض ولكن هذا محال لأن معنى " مذاء " أن تلك الحالة كانت تعاوده مرة بعد أخرى فكيف يجهل أمير المؤمنين حكما يتعلق بالطهارة التي هي شطر الإيمان وكيف كان يعمل في الأيام التي سبقت اليوم الذي أرسل فيه المقداد؟ وكيف أهمل السؤال عن مسألة تتعلق بالصلاة، مضافا إلى أن المعروف من فقه الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أن المذي إذا عرف لا يلزم غسله، ولا يجب له الوضوء، وقد روى الشيخ قريبا من هذه الرواية في الاستبصار ١ / 92 بعدة وجوه وكان جوابه صلى الله عليه وآله: (ليس بشئ).
(3) يعني صفية بنت عبد المطلب، وذلك أنها أعتقت عبيدا لها فمات العبيد ولم يخلفوا فطلب الزبير ميراثهم لأن أمه أعتقتهم فولاؤهم لها وهو وارثها، وطلب علي عليه السلام ميراثهم لأن المعتق إذا كان امرأة فولاء مولاها لعصبتها مطلقا، وهذا الرأي منقول عن علي عليه السلام في كتب الفريقين يقول ابن رشد في بداية المجتهد باب الولاء: " وفي هذا الباب مسألة مشهورة وهي إذا ماتت امرأة ولها ولاء وولد وعصبة لمن ينتقل الولاء؟ فقالت طائفة لعصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها، ولا ولاء للولد، وهو قول علي بن أبي طالب، وقال قوم لابنها وهو قول عمر بن الخطاب، وعليه فقهاء الأمصار ".
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»