لأن الدواعي التي دعت إلى كتمانه لم تعم جميع الأمة، بل اختص قوم بالنقل وآخرون بالكتمان، ومن نقل فإنما وقع نقله لقوة الداعي الديني على جهة الخفاء والمساترة، ونحن نعلم أنه لا يمكن أحدا من مخالفينا أن يقول: إن السلطان متى خوف من ذكر خبر القرامطة فإن من نقل خبرهم مع هذا الخوف الشديد وحمل نفسه على النقل تغليبا للسلامة، وطمعا في النجاة، فإن نقله يقع ظاهرا مكشوفا كما يقع نقله بسائر ما لا خوف فيه من جهة السلطان، فقد ثبت على كل حال ما أردناه، وبطل ما ادعاه أبو هاشم من استحالة كتمان دخول القرامطة البصرة على الجماعة الكثيرة، لأنه إذا سلم أن الكتمان لا يجوز أن يعم جميع الجماعات الواردة، بل لا بد أن يخبر منهم بما قررناه مخبر، فليس بواجب أن تقع الأخبار من هذه الجماعة حتى لا يبقى الكتمان إلا في الطائفة اليسيرة التي يجوز عليها التواطؤ، بل العادة تقتضي بعكس هذا لأن الخبر إذا وقع من بعضهم فليس يقع إلا من الآحاد الذين يخالفون الحزم، ويطرحون العواقب، ويغلبون الطمع في النجاة والكتمان مع ثبوت الخوف هو الأعم الواجب في الجماعة، وهذا معلوم بالعادة ضرورة.
فإن قيل: ما ذكرتموه يوجب أن تجوزوا دخول القرامطة البصرة على وجه ظاهر لجميع أهلها، وإن انكتم ذلك على أهل بغداد جملة مع امتداد الزمان، بأن يتفق لجميع الواردين من البصرة من الدواعي إلى الكتمان أمثال ما وصفتموه.
قلنا: ليس يجب إذا جوزنا أمرا تشهد بجوازه العادة، ويقضي بصحته التعارف، أن نلزم ما يستحيل فيهما، لأنا نعلم أن الخوف من السلطان وإن اقتضى حصول الكتمان من الجماعة والجماعات الواردة فليس يجوز أن يستمر ذلك في كل جماعة ترد حتى لا يخبر منها نفر وإن قل