الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ١٦٩
أكثرهم عن نقل ما جرى وإعادته، وتكون دواعيهم إلى الكتمان مختلفة، فمنهم من دعاه إليه العداوة، وآخرون حملهم عليه الحسد، وبعض اعتقد أن في نقله ضررا في الدين أو الدنيا، وبعض آخر دخلت عليه شبهة من غير هذه الوجوه، ولا يجب وإن ظهرت على ما جرى من بعض الجهات أن يظهر على الأسباب الموجبة لكتمان الجماعة له حتى تعرف بأعيانها ويميز بينها وبين غيرها ولا يجري وقوع الكتمان على هذا الوجه، ولهذه الأسباب مجرى أن يكونوا تواطؤا عليه وتوافقوا على أن يمسكوا عن النقل أو وقع من سلطان إكراه لهم على الكتمان لأنا نعلم أنه متى وقع لما ذكرناه ثانيا وجب ظهور أسبابه، وإن لم يجب ذلك في الأول.
فإن قال: إذا جاز أن يقع الكتمان من الجماعة الكثيرة فتخفى أسبابه على بعض الوجوه فلم لا جاز وقوع الافتعال للأخبار أيضا من الجماعة الكثيرة العدد وتخفى أسبابه للعلة التي لها خفيت أسباب الكتمان؟ فإذا أجزتم الكتمان على الجماعات للأسباب التي ذكرتموها فأجيزوا الافتعال على مثلهم لمثل تلك الأسباب، فإن ما استشهدتم به من العادة لا يفرق بين الأمرين لأن الناس كما قد تحملهم العداوة والحسد على الكتمان فكذلك قد تحملهم المحبة وقوة العصبية على الافتعال، وتخرص المحال، وهذا يبطل طريقتكم في النص، بل هو مبطل لسائر الأخبار.
قيل له: قد بينا أن الكتمان به ربما وجب ظهور أسبابه، وربما لم يجب وفرقنا بين الأسباب التي متى دعت إلى الكتمان ظهرت ووقف عليها، وبين الأسباب التي لا يجب أن يظهر عليها، وليس يجري الافتعال هذا المجرى لأنه إن أريد به افتعال أخبار مختلفة في اللفظ والمعنى أو مختلفة

(1) الافتعال: الاختلاق.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»