الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ١٣٩
دياناتهم ومذاهبهم، بل إظهارهم لما عدا الاعتقاد في النص آكد وأظهر، فتجويز مخالفة باطنهم لظاهرهم في أحد الأمرين كتجويزه في الأخرى على أن المدعي للعلم بباطن الصحابة في هذا الوجه لا يجد فصلا بينه وبين من ادعى العلم من الحشوية (1) وأصحاب الحديث بباطن من بقي من الصحابة والتابعين في عفة معاوية واعتقاد إمامته وتصويبه، والرضا بأحكامه بعد موت الحسن بن علي عليهما السلام، فإنه لم يوجد في تلك الأحوال إلا مظهرا لما ذكرناه، ويقول مثل قول صاحب الكتاب: إني كما أعلم من نفسي اعتقاد إمامة معاوية وتصويبه في أحكامه، فهكذا أنا مضطر إلى أن جماعة المسلمين، ووجوه الصحابة والتابعين، في الأحوال التي أشرنا إليها كانوا معتقدين لمثل ذلك، وليس يجد صاحب الكتاب مهربا من هذه المعارضة، ولا يتعلق بشئ يجعله فصلا إلا ويمكننا أن نقابله بمثله فيما ادعاه.
فأما تعلقه بإكرام الرسول صلى الله عليه وآله للقوم وتعظيمه لهم، وأن الخبر بذلك متواتر، فمما لا يؤثر فيما ذهبنا إليه، لأن جميع ما روي من التعظيم والاكرام - إذا صح - فليس يقتضي أكثر من حسن الظاهر وسلامته في الحال، فأما أن ينفي ما يقع منهم في المستقبل من قبيح فغير متوهم، وإذا كان دفع النص والعمل بخلافه إنما وقع بعد الرسول صلى الله عليه وآله فكيف يكون مدحه في حياته لهم وإكرامه ينافيه ويمنع منه؟
فإن قال: إنما عنيت إن الاكرام والمدح والإعظام يمنع من وقوع النفاق في تلك الحال.

(1) الحشوية: في تاج العروس مادة حشا 10 / 90 " الحشوية طائفة من المبتدعة " كأن اسمهم مأخوذ من الحشو في الكلام أي الزيادة فيه بما لا طائل تحته.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»