أن المعلوم من دين موسى لهم نفي التشبيه عن خالقه وأنه دعاهم إلى عبادة من لا يشبه الأجسام ولا يحلها (١)، وإذا كانوا عارفين بهذا من دينه ضرورة، فليس تدخل عليهم شبهة فيه إلا من حيث شكوا في نبوته، واعتقدوا أن ما دعاهم إليه ليس بصحيح، ولم يكن القوم الذين ضلوا بالسامري ممن أظهر الشك في نبوة موسى عليه السلام والخروج عن دينه، بل الظاهر عنهم أنهم كانوا مع عبادتهم له متمسكين بشريعته، ولهذا قال لهم السامري ﴿هذا إلهكم وإله موسى﴾ (2) مشيرا إلى العجل، فلم يبق مع ضلالهم بالعجل وعبادتهم له، إلا العمل بخلاف المعلوم لبعض الأغراض.
على أن قوله: (كان يجب أن لا يجري منهم في الإمامة ما جرى) إنما يحمل عليه حسن الظن بالقوم، وليس لحسن الظن مجال حيث يقع العلم، وإذا كنا قد دللنا على صحة النص بأدلة تقتضي العلم فلا معنى لدفعها بما يرجع فيه إلى حسن الظن، على أن جميع ما يقتضي حسن الظن بالقوم الدافعين للنص والقائمين مقام المنصوص عليه عليه السلام من الصحبة للنبي صلى الله عليه وآله وظهور الفضل قد حصل لغيرهم أو أكثره، ولم يكن ذلك نافيا عن الضلال، والعمل بخلاف الحق مع العلم به، ألا ترى أن طلحة والزبير مع صحبتهما وكثرة فضلهما في الظاهر، ومقاماتهما في الدين قد بايعا أمير المؤمنين عليه السلام طائعين غير مكرهين ثم عادا ناكثين لبيعته مجلبين (5) عليه ضاربين لوجهه ووجوه أنصاره