الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ٢٩٣
بمثل ذلك، ولو لم يكن في هذا إلا ما يعلم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله من أن تكليف معرفة الله تعالى، ومعرفة رسله عليهم السلام عامة للعقلاء، وأنه لا تخصيص فيها ولا تمييز إلا لمن لم تتكامل شروطه (1) لكان مقنعا، وبعد فقد علم أيضا من دين محمد صلى الله عليه وآله عموم وجوب الصلوات، وما أشبهها من العبادات الشرعية، لكل من تكاملت شروطه من المكلفين على وجه لا إشكال فيه، ونحن نعلم أن هذه العبادات لا يصح وقوعها قربة، وعلى الوجوه التي وجبت عليها ممن هو جاهل بالله تعالى أو غير عالم به، بل لا بد من تقدم معرفته تعالى بصفاته ومعرفة صدق رسوله صلى الله عليه وآله وفي هذا أوضح دلالة على وجوب المعرفة، لأن ما لا يتم فعل الواجب إلا به لا بد أن يكون واجبا، وليس لأحد أن يقول: هذه العبادات قد تسقط عن بعض العقلاء لأعذار معلومة فيجب أن تسقط المعرفة بسقوطها حتى يقضى على كل من لا يلزمه فعل شئ من العبادات بزوال تكليف المعرفة عنه، لأنه غير ممتنع أن يرجع في ثبوتها على من سقطت عنه العبادات الشرعية لبعض العذر إلى ضرب آخر من الاعتبار، وهو أن الأمة مجمعة على أن سقوط فرض المعرفة غير مانع لسقوط هذه العبادات، وهذا ما لا خلاف فيه، لأن من ذهب فيها إلى الضرورة لا يجعل فرضها ثابتا على المكلف في حال من الأحوال، فكيف يجعل سقوطها تابعا لسقوط العبادات في بعض الأحوال، ومن ذهب إلى أنها اكتساب من أهل الحق لا شبهة في قطعه على عموم تكليفها وأنها مما لا تتبع في الزوال العبادات الشرعية، والذاهب إلى أنها تقع

(1) أي شروط التكليف.
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»