الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ٢٤٥
ويعتل بأن شدة الحاجة من جهة الدين إلى الأمر المنقول يمنع من ضعف نقله، وهذا من أعجب العجب، لأنا ما نعرف شيئا من أصول الدين يفوق في باب شدة الحاجة - من جهة الدين - إليه الصلوات والزكوات التي أقر بأن نقلها قد ضعف بعد القوة، ولو صرح بذكر ما امتنع من أن يضعف نقله بعد القوة من أصول الدين لظهر لكل أحد تحكمه إذا جمع بين ما التزم جواز ضعف نقله من الصلوات والزكوات وبين ما امتنع من مثل ذلك فيه لكنه أبهم (1) الكلام سترا على نفسه فأما الجهة الأخرى التي ظن أن نقل القرآن لا يضعف من أجلها (2) فشبيهة بالضعف والفساد بالأولى، لأن القرآن لو لم ينقل على وجه الدهر لم يخل ذلك بالعلم بالنبوة، وكونه معجزا دالا عليها، لأنه إذا ظهر في الأصل وقامت به الحجة، ونقل ما يقتضي قيام الحجة به من فقد معارضته، والتسليم لم، فقد وجبت الحجة على سائر المكلفين الموجودين إلى قيام الساعة بهذا القدر وإن لم تنقل ألفاظ القرآن، ولو كان الاخلال بنقل القرآن مخلا بالاستدلال على كونه معجزا، ودالا على النبوة لكان هذا حكم سائر المعجزات التي وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله ولم تستمر حالا بعد حال.
فإذا قيل في تلك المعجزات: " إنها وإن لم تستمر فإن نقل كونها ووجودها على الوجه الذي يقتضي خرق العادة بها كاف في إزاحة علة المكلف. قلنا مثل ذلك في القرآن، وإن ادعى وجوب نقله لما يتضمنه من

(1) يقال: أمر مبهم: لا معنى له، واستبهم عليه الكلام استغلق، والمراد أنه جاء بكلام لا وجه له.
(2) أنظر المغني 17 / 185.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»