الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ٢٥٦
أنهم لا يعدلون عن واجب ولا يخلون به وهيهات (1) أن يصح هذا.
فأما قوله: " ونظير ذلك أن نجد إنسانا يروي خبرا عن مجلس حافل، ومجمع عظيم، فالمعلوم أنه متى كان كاذبا أنكر عليه من يحضر ذلك المجلس، وإذا لم ينكره علم صدقه في خبره (2) " فباطل لأنه غير ممتنع أن يمسك أهل المجمع الذي ذكره عن كاذب يعرفون كذبه إذا كان هناك غرض لهم، أو كان في الامساك عن تكذيبه دفع ضرر عنهم، أو جر نفع إليهم، لأنا نعلم أنه لو كان لأهل هذا المجمع ببعض الناس عناية، وكان شريكا لهم في أموالهم، أو قريبا إليهم في نسبهم، وكانوا قد أحسوا من بعض السلاطين الظلمة يطمع في حاله وماله (3)، وقام هذا المخبر الكاذب بحضرة ذلك السلطان، أو بحضرة من يبلغه من أصحابه، فقال وأهل المجمع حضور: هؤلاء يعلمون أن فلانا - وأشار إلى الذي ذكرناه - أنه شريك للقوم، أو هم على عناية شديدة به فقير لا حال له ولا مال، وأنه حضرهم في يوم كذا فسألهم ما يصلح به حاله، ويلم به شعثه (4)، لكان جميع أهل المجمع يمسكون عن الرد عليه مع علمهم بكذبه، بل ربما صدقوه، وشهدوا لفظا بمثل قوله، ومن دفع هذا كان مكابرا لعقله، على أن ما ضربه من المثل غير مشبه لما نحن فيه، ولو سلم له لأن خبر الاجماع لم يدعيه الراوي على الصحابة، ولا استشهدهم عليه، لأنا قد بينا بطلان

(1) هيهات: كلمة تبعيد وهي مبنية على الفتح وبعضهم يكسرها على كل حال.
(2) المغني 17 / 192.
(3) الحال: التراب اللين الذي يقال له: السهلة، والطين الأسود ويسمى اللبن الذي عن كراع حالا، والمال في الأصل: الذهب والفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك، فعليه يكون الحال والمال كل ما يملك من نقد وغيره، وفي حديث فدك قال أبو بكر لفاطمة عليها السلام لما طالبته بها: " وهذه مالي لا تزوى عنك ولا تدخر دونك ".
(4) الشعث - بالتحريك - إنشار الأمر.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»