التقدير الاخلال بنقل الإعلام بأن يدعو المكذبين دواعي الكتمان إليه، وينفر المصدقون لضعف أمرهم، غير أن هذا مما يؤمن وقوعه لقيام الدلالة عندنا على أن لله تعالى حجة في كل زمان حافظا لدينه، مبينا له متلافيا لما يجري فيه من زلل وغلط لا يمكن أن يستدركه غيره.
فأما الصلاة والصيام والأمور الظاهرة في الشريعة فليس يلزم على هذه الطريقة أن لا يعرفها إلا من عرف الإمام وإلزام صاحب الكتاب ذاك ظلم أو سهو، لأنه لا علة لنا توجبه.
وقد بينا أنه لا يمتنع أن يعرف الصلاة والصيام وما أشبهها بالتواتر من لا يعرف الإمام غير أنه وإن عرف ذلك لا يكون واثقا بأن شيئا مما يجري مجرى هذه العبادة من العبادات لم ينطو عنه، وأنه وإن أظهر الثقة بذلك فهو غير واثق في الحقيقة ولا متيقن.
فأما ما لا يزال يعارضنا به الخصوم في هذا الموضوع من قولهم:
جوزوا أن يكون القرآن قد عورض بمعارضة هي أبلغ منه وأفصح فكتم ذلك المسلمون لغلبتهم وقوتهم، وخوف المخالفين منهم فهو ساقط بما أصلناه في كلامنا، لأنا قد بينا أن ما دواعي النقل فيه ثابتة لا يلزمنا تجويز كتمانه، وقد علمنا أن لكل من خالف الملة من الدواعي إلى نقل معارضة القرآن لو كانت مما لا يجوز أن يقعدوا معه عن نقلها لخوف أو لغيره ولأن فيهم من لا يخاف جملة لحصوله في بلاد عزه ومملكته كالروم ومن جرى مجراهم، ولأن الخوف - أيضا - لا يمنع من النقل كما لم يمنعهم من نقل كثير مما يسخط المسلمين ويغضبهم من سب النبي صلى الله عليه وآله وقذفه وهجائه، ولأن الخوف إنما يمنع - إن منع - من التظاهر بالنقل، ولا يمنعهم من الاستسرار به، وفي نقله على جهة الاستسرار ما يوجب اتصاله بنا، وفي إفساد هذه المعارضة وإبطاله وجوه كثيرة، ولعلنا أن نستقصيها