الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ١٩١
لما قدمناه في كلامنا آنفا من استحالة السهو على العقلاء فيما تكرر علمهم به، وإدراكهم له، ولحق هذا القسم من حيث تكرر العلم فيه بالقسم الذي أحلنا سهو العقلاء عنه.
وأما تعمد العقلاء كتمان أمر البلدان قياسا على جواز كتمان العبادات والشرائع على الأمة فيستحيل لأنه لا داعي للعقلاء إلى كتمان أمر البلدان وما أشبهها يعرف ولا غرض (1)، بل كل داع معقول يدعو إلى نقلها ونشر خبرها، لأن تصرف الناس في تجاراتهم وأسفارهم وكثير من معائشهم يقتضي ذلك. ويوجب أن بهم إليه أمس الحاجة. وما كانت دواعي الإذاعة فيه قائمة وعلم استمرارها في كل زمان لا يجوز كتمانه، لأن الكتمان لا يقطع إلا بداع قوي، وغرض ظاهر، وكل ذلك مفقود في أمر البلدان مع ما بيناه من ثبوت الدواعي إلى نقل خبرها وإشاعته.
فأما ما نقل من كون الرسول في الدنيا فهو جار مجرى ما تقدم من أحوال البلدان من وجه، لأنه لا غرض لعاقل في كتمان دعاء داع إلى نفسه على وجه الظهور، ويجوز أن يكون محقا ويجوز أن يكون مبطلا، ولأن من اعتقد تكذيبه لا يمنعه هذا الاعتقاد من نقل خبره، لأن العقلاء قد يخبرون عن حال الصادق والكاذب، والمحق والمبطل.
فأما نقل القرآن، ونقل وجود الإعلام سوى القرآن فهو مما لا يمتنع حصول الدواعي إلى كتمانه، وقد يجوز من طريق الإمكان وقوع الإخلال به (2)، وليس على أن يقدر أن الحال في المصدقين به صلى الله عليه وآله في الكثرة والظهور هذه، بل بأن يقدر أن المصدق للدعوة كان في الأصل واحدا أو اثنين، وكان من عداه مكذبا معاديا فلا يمتنع مع هذا

(1) أي ليس هناك داع ولا غرض يعرف للعقلاء في تعمد الكتمان.
(2) أي بالنقل.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»