الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ١٩٧
حيث ظنوا أنها تدل على النبوة من جهة الإبانة والتخصيص، وأن دلالتها مخالفة لسائر الدلالات، وأنها إذا دخلت من جهة الإبانة استحال ظهورها على يد من ليس بنبي، كما أن ما أبان السواد والجوهر من سائر الأجناس يستحيل ثبوته لما ليس بجوهر ولا سواد. فباطل، لأن شبهتهم في اعتقادهم أن المعجزات تدل من جهة الإبانة، وأنها تخالف من هذا الوجه سائر الأدلة أنهم وجدوها مما يجب ظهورها وحصولها، وليس بواجب مثل ذلك في سائر الأدلة، لأنه غير منكر أن يثبت كون بعض القادرين قادرا من غير أن يقوم دلالة على أنه كذلك، وليس يسوغ مثل هذا في دلالة المعجزات لأنه لا بد من ظهورها على يد النبي، أو لأنهم رأوا سائر الأدلة لا يخرجها كثرتها من كونها دالة على مدلولاتها لأن ما دل على أن الفاعل قادر لو تكرر وتوالى لم يخرج من أن يكون دالا، وليس هذا حكم المعجزات لأن كثرتها يخرجها من كونها دالة على النبوة، وليس في شئ مما ذكروه ما يوجب كون المعجزات دالة على جهة الإبانة والتخصيص.
أما وجوب حصولها وظهورها على يد النبي ومخالفتها في ذلك لسائر الأدلة فليس بمقتض لما ذكروه، لأنه إنما وجب ذلك فيها من حيث كانت مصالحنا متعلقة بالنبي، وكان مؤديا إلينا، ومبينا لنا من مصالحنا ما لا يصح أن نقف عليه إلا من جهته، وإذا وجب على القديم تعالى تعريفنا مصالحنا، ولم يمكن أن نعرفها من جهة من لا نقطع على صدقه وجب أن يظهر المعجز على يد النبي لهذا الوجه، وليس يجب هذا في سائر الأدلة، لأنه ليس يجب أن يعرف أحوال كل قادر في العالم، ولا تتعلق هذه المعرفة بشئ من مصالحنا، من أن في الأمور العقلية ما يجب قيام الدلالة عليه، ولا يقتضي ذلك من حاله مخالفته لسائر الأدلة، ووجوب كونه دالا من جهة الإبانة.
فأما ما حكاه ثانيا فإنه غير صحيح، لأن كثرة المعجزات وتواتر
(١٩٧)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)، الوجوب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»