جميعها، على أنا قد بينا أن التواتر لا يجوز أن تحفظ به الشريعة واستقصيناه وأحكمناه.
فأما الاجماع فلا حجة فيه إذا لم يقطع على أن في جملة المجمعين معصوما يؤمن غلطه وزلله، لأن الخطأ يجوز على آحاد الأمة وجماعاتها، وليس يجوز أن يكون اجتماعها عاصما لها، ولا مؤمنا من وقوع الخطأ منها، ومن هذه حاله لا يجوز أن يحفظ الله تعالى به شرعا.
فأما الكتاب فليس يجوز الاقتصار عليه في حفظ الشرع. لأن أكثر الشرائع (1) ليس في صريحه بيانها على التفصيل والتحديد، وهو مع ذلك لا يترجم (2) عن نفسه، ولا ينبئ عن معناه وتفصيله وتأويله، ولا بد له من مترجم ومبين.
فإن قيل: إنه الرسول صلى الله عليه وآله لم ندفع ذلك إلا أنه لا بد لمن لم يشاهد زمن الرسول من أن يتصل ذلك به، ويكون له طريق إلى معرفته، فإن كان الطريق هو التواتر والاجماع فقد مضى ما فيهما، وهذا يوجب الرجوع إلى أنه لا بد من حجة مبلغ لما يقع من بيان الرسول صلى الله عليه وآله للكتاب.
وأما الاجتهاد والقياس فقد دللنا على بطلانهما في الشريعة وأنهما لا ينتجان علما ولا فائدة، فضلا عن أن يحفظا الشريعة وحال أخبار الآحاد في فساد حفظ الشريعة بها أظهر من كثير مما تقدم، لأنها لا توجب علما، وهي - أيضا - متكافئة متقابلة، وواردة بالمختلف من الأحكام والمتضاد، وما يعتمد في قرائنها إما أن يكون على طريقة خصومنا الاجماع أو القياس،