مكانه فاغسل الثوب كله ومضمرة سماعة قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال اغسل الثوب كله إذا خفى عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا وحسنة الحلبي أو صحيحته إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منى فليغسل الذي اصابه وان ظن أنه اصابه منى ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وان استيقن انه قد اصابه ولم ير مكانه فليغسل الثوب كله فإنه أحسن وما في التعليل الوارد في هذه الرواية من الاشعار باستحبابه مما لا يلتفت إليه في مقابلة ما عرفت ولعل النكتة فيه عدم كون جميع اجزاء الثوب غالبا من أطراف الشبهة أو كون الاحتمال في بعض الأطراف غير معتنى به لدى العقلاء فالامر بغسل الثوب كله غالبا ليس الا لكونه أشد تأثيرا في قلع ما يجده الانسان في نفسه من الريبة والوسوسة أو غيره من الأمور الغير اللازمة المراعاة والا فقلما يتفق كون جميع اجزاء الثوب من أطراف الشبهة والله العالم تنبيه لا تثبت النجاسة بل وكذا الطهارة وغيرها من الموضوعات الخارجية الا بالعلم أو ما قام مقامه من الأصول والامارات التي ثبت اعتبارها شرعا كالاستصحاب والبينة ونحوهما مما سنشير إليه وحكى عن أبي الصلاح الحلبي القول بثبوت النجاسة بمطلق الظن سواء حصل من امارة شرعية أم لا محتجا عليه بان الشرعيات كلها ظنية وان العمل بالمرجوح مع قيام الراجح قبيح وحكى عن ابن البراج انه اقتصر في طريق اثباتها على العلم وانكر ثبوتها بالبينة التي هي أقوى الامارات محتجا عليه بان الطهارة معلومة بالأصل وشهادة الشاهدين لا تفيد الا الظن فلا يترك لأجله المعلوم أقول الطهارة المعلومة بالأصل التي جعلها معارضة للظن الحاصل من البينة عبارة أخرى من استصحابها وأنت خبير بأنه ان ثبتت حجية البينة لا يعارضها الاستصحاب وان لم تفد الظن والا فلا تقابل بشئ من الأصول والأدلة لا لأنها لا تفيد الا الظن بل لأجل انها ليست بحجة وقد يستدل لهذا القول بمثل قوله (ع) كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر وقوله (ع) الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ورواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيأتي بعضها الدالة على عدم تنجز التكليف بالنجس ما لم يعلم وفيه ان ما دل على حجية البينة أو غيرها من الامارات المعتبرة شرعا بل وكذا ما دل على حجية الاستصحاب حاكمة على مثل هذه الأخبار يعرف بها ان المراد بالعلم في مثل هذه الروايات أعم من العلم الحقيقي ومما قام مقامه شرعا كما تقرر ذلك في الأصول وفى بعض الأخبار الآتية أيضا تنبيه على ذلك وبهذا ظهر لك انه لا يصح التشبث في ابطال مذهب الحلبي القائل بالاكتفاء بمطلق الظن في اثبات النجاسة بمثل هذه الأخبار فإنه ان صدق في دعواه من أن الشرعيات كلها ظنية لكان ما دل على اعتبار الظن في الشرعيات حاكما على مثل هذه الأدلة لكن الشأن في اثبات هذه الدعوى فإنه لم يدل دليل على جواز العمل بمطلق الظن في الشرعيات لافى الاحكام ولا في موضوعاتها عدا دليل الانسداد الذي ركن إليه بعض متأخري المتأخرين وهو على تقدير تماميته لا يقتضى الا جواز العمل بالظن في الأحكام الشرعية الكلية التي انسد فيها باب العلم لافى موضوعاتها كما تقرر في محله فقياس الموضوعات على الاحكام في غير محله واما الاحتجاج عليه بقبح العمل بالمرجوح مع قيام الراجح فقد تبين ضعفه في الأصول فالقول بالاكتفاء بالظن ضعيف ويضعفه أيضا الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها عدم ثبوت النجاسة بالظن مثل حسنة الحلبي المتقدمة وصحيحة عبد الله بن سنان قال سئل أبا عبد الله عليه السلام وانا حاضر انى أعير الذي ثوبي وانا اعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده على فاغسله قبل ان اصلى فيه فقال أبو عبد الله (ع) صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو ظاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلى فيه حتى تستيقن انه نجسه وقول أبي جعفر عليه السلام في خبر أبي الجارود الوارد في الجبن ما علمت فيه ميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله انى لاعترض السوق فاشترى اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البرية [البربر] وهذه السودان وموثقة عمار في الرجل يجد في انائه فارة وقد توضأ من ذلك الإناء مرارا واغتسل وغسل ثيابه وقد كانت الفارة متسلخة فقال إن كان رآها قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه ان يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه ذلك الماء ويقيد الوضوء والصلاة وان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع الواردة في الموارد التي لو كان الظن حجة لكان الحكم في جميع تلك الموارد النجاسة وما يتراءى من بعض الأخبار من وجوب الاجتناب عن بعض الأشياء التي يظن بنجاستها كالاخبار الناهية عن الاغتسال بغسالة الحمام أو الاخبار الامرة بغسل الثوب المشترى من النصراني والنهى عن الصلاة فيه حتى يغسل اما جار مجرى الغالب من حصول العلم بالنجاسة أو انها محمولة على الاستحباب وكراهة الاستعمال لمعارضتها في خصوص مواردها بالروايات المعتبرة المعمول بها لدى الأصحاب التي هي صريحة في نفس البأس عن الثوب الذي يعمله النصراني والمجوسي وغيرهم ممن يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير كما في صحيحة ابن سنان المتقدمة المصرحة بنفي البأس عن الثوب الذي اعاده الذمي وجواز الصلاة فيه ما لم يستيقن انه نجسه كما أن بعض ما ورد في غسالة الحمام صريح في نفى صريح البأس عنها بل في بعض التعليلات الواردة في اخبار الغسالة اشعار بالكراهة وبعض ما ورد في ثوب أهل الكتاب نص في الاستحباب فهو بنفسه شاهد للجمع بين الروايات مثل رواية أبي على البزاز عن أبيه قال سئلت جعفر بن محمد عليه السلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلى فيه قبل ان اغسله قال لا بأس وان يغسل أحب إلى وكيف كان فلا شبهة في عدم الاكتفاء بمطلق الظن في
(٦٠٨)