مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٦٠٩
اثبات النجاسة كما أنه لا ينبغي الارتياب في عدم انحصار طريقه بالعلم بل تثبت بالاستصحاب لعموم أدلته وحكومتها على الأدلة المتقدمة الدالة على طهارة كل مالا يعلم نجاسته كما تقدمت الإشارة إليه وحكى عن بعض الأخباريين المنكرين لحجية الاستصحاب في الأحكام الشرعية الاعتراف بحجيته في مثل هذه الموارد وادعا كونه من ضروريات الدين وكذا تثبت بالبينة كما هو المشهور خلافا للمحكى عن ابن البراج في عبارته المتقدمة وحكى عن بعض المتأخرين أيضا موافقته ولا ريب في ضعفه فان المتتبع فيما دل على اعتبار البينة إذا أمعن النظر لا يكاد يرتاب في عدم مدخلية خصوصيات الموارد التي ثبت اعتبار البينة فيها في ذلك بل هي طريق شرعي تعبدي لم يلغها الشارع في شئ من مواردها نعم اعتبر في بعض المقامات شهادة الأربعة أو كون الشاهدين رجلين واما نفى اعتبارها رأسا فلم يعهد في الشرعيات وما يقال من أنه ليس فيما دل على حجية البينة عموم يقتضى حجيتها في غير مورد الخصومات بحيث يعم مورد الكلام مدفوع بان اعتبارها في مورد الخصومات مع مقابلتها بقول ذي اليد ويده على حجيتها في الموارد السالمة من المعارض بالأولوية القطعية مضافا إلى ما أشرنا إليه من أن سوق الأدلة يشهد بكون طريقية البينة لاثبات الموضوعات الخارجية من الأمور المسلمة في الشريعة كما يرشدك إلى ذلك ما رواه الكليني والشيخ عطر الله مرقديهما في الكافي والتهذيب بسنديهما عن الصادق عليه السلام في الجبن قال كل شئ لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان فيه ميتة أقول قوله (ع) حتى يجيئك شاهدان الخ كناية عن احراز حرمة الشئ بطريق معتبر وتخصيص الشاهدين بالذكر مع أن حرمة الأشياء ربما تستكشف بالعلم وقد تثبت بالاستصحاب أو باخبار ذي اليد أو غير ذلك انما هو بلحاظ المورد الذي ينحصر طريق احراز حرمته غالبا في البينة لكونها منافية لفعل صاحب اليد الذي يشترى منه الجبن وسنشير إلى أن حرمة مثل ذلك لا تثبت بغير البينة وفرض استكشاف حرمة الجبن الذي يباع في السوق كما هو ملحوظ السائل على الظاهر بطريق علمي فرض نادر ولذا خص البينة بالذكر كما أن تخصيص المشهور به بان فيه ميتة مع كون الكلام مسوقا لاعطاء ضابطة كلية انما هو بهذه الملاحظة فليتأمل وكيف كان فالرواية تدل على أن حرمة الجبن المسببة عن نجاستها المكتسبة بطرح الميتة فيه تثبت بشهادة الشاهدين ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ قه في الكتابين أيضا بسنديهما عن الصادق (ع) قال كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والعبد يكون عبدك ولعله حر قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع أو امرأة تحتك وهى أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة وهذه الرواية بنفسها تشهد بصدق ما ادعيناه انفا من حكومة أدلة الامارات على الأدلة الدالة على أن العلم بنجاسة كل شئ غاية للحكم بطهارته كما لا يخفى وهل تثبت النجاسة باخبار عدل واحد أم لا قولان حكى عن المشهور العدم وحكى عن بعض القول بالثبوت وهذا هو الأقوى بل الأظهر عدم اشتراط العدالة المصطلحة وكفاية كون المخبر ثقة مأمونا محترزا عن الكذب لاستقرار سيرة العقلا على الاعتماد على اخبار الثقات في الحسيات التي لا يتطرق فيها احتمال الخطاء احتمالا يعتد به لديهم مما يتعلق بمعاشهم ومعادهم وليست حجية خبر الثقة لدى العقلاء الا كحجية ظواهر الألفاظ ومن هنا استقرت سيرة المتشرعة على اخذ معالم دينهم من الثقات ولم يثبت من الشارع ردعهم عن ذلك بل ثبت تقريرهم على ذلك كما تقرر ذلك في الأصول عند البحث عن حجية خبر الواحد ويشهد لذلك أيضا كثير من الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة يقف عليها المتتبع مثل ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله في حديث قال فيه ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه العزل عن الوكالة وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) الدال على ثبوت الوصية بخبر الثقة قال سئلته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فاعط فلانا عشرين دينار أو اعط أخي بقية الدنانير فمات ولم اشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال إنه امرني ان أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك ان تدفعها إلى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين ولم يعلم اخوه ان عندي شيئا فقال أرى لك ان تصدق منها بعشرة دنانير والأخبار الدالة على جواز الاعتماد في دخول الوقت على إذا ان الثقة العارف بالوقت إلى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد منها كون العمل بقول الثقات امرا معروفا في الأذهان ممضا في الشريعة وهل يشترط حجية قول الثقة بافادته الوثوق بالفعل فيه وجهان لا يخلو ثانيهما عن وجه ثم إن اعتبار قول الثقة انما هو في غير مورد الخصومات ونظائرها مما كان معارضا بقول صاحب اليد أو منافيا لظاهر فعله فإنه لا يعتبر في مثل هذه الموارد الا البينة ولذا لا يصح الاستشهاد بمفهوم الغاية في الروايتين المتقدمتين اللتين جعل فيهما قيام البينة على الحرمة غاية للحكم بحلية الأشياء لما أشرنا إليه انفا من أن تخصيص البينة بالذكر انما هو بلحاظ الأمثلة المذكورة فيهما فلم يقصد به الاحتراز عن سائر الامارات المثبتة للحكم كاخبار ذي اليد أو الاستصحاب ونحوه هذا مع أن المراد بالاستبانة في الرواية الثانية بحسب الظاهر أعم من الاستكشاف العلمي أو بحجة معتبرة وجعل البينة قسيما لها بلحاظ كونها طريقا تعبديا شرعيا كما يشهد لذلك الأمثلة المذكورة في الرواية فإنه لو لم تكن الاستبانة أعم مما يقم الاستصحاب ونحوه للزم بمقتضى الكلية المذكورة في الرواية جوار تملك العبد الذي يشك في رقيته وجواز التصرف في الثوب المشكوك
(٦٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 604 605 606 607 608 609 610 611 612 613 614 ... » »»