هو صدق إصابة الماء إلى الاجزاء وهذا حاصل في الفرض بشهادة العقل والعرف ولا ينافيه عدم صدق اسم الماء على ما وصل إلى الاجزاء عند ملاحظته على سبيل الاستقلال ويدل على قبول الأمثلة المذكورة للطهارة بنفوذ الماء العاصم في بواطنها من غير اعتبار اطلاق اسم الماء عليه بعد النفوذ عند ملاحظته مستقلا الأخبار الدالة على طهارة طين المطر وطهارة السطح الذي يبال عليه بالمطر ضرورة ان رسوب ماء المطر في الطين والسطح ليس الا بطريق السراية ولا يطلق على ما ينفذ في باطنهما من الاجزاء المائية عند ملاحظتها من حيث هي اسم الماء والا للزم انفعال كل جزء منه بملاقاة الجزء الآخر للنجس لاتصال الاجزاء بعضها ببعض وهو باطل جزما فتلخص مما ذكر ان كل ما يرسب فيه الماء من الأمثلة المذكورة ونحوها فإن كان كالقند والسكر والملح ونحوها مما لا ينفذ فيه الماء الا وهو خارج من حقيقته بحيث لو تقاطر من جانبه الاخر لا يتقاطر الا وهو مضاف لا يقبل التطهير وان لم يكن كذلك يطهر بنفوذ الماء العاصم فيه بلا تأمل وهل يطهر بغسله بالماء القليل النافذ في أعماقه كما حكى عن صريح المنتهى والنهاية ومجمع الفائدة والمدارك فجوز واغسل هذه الأشياء بالقليل أم لا يطهر كما حكى عن الشهيد والمحقق الثاني بل عن المعامل نسبته إلى المعروف بين المتأخرين وجهان أقواهما الأول والذي يصلح ان يكون مستندا للمنع أمور * (الأول) * تعذر تحقق مفهوم الغسل بالنسبة إلى الاجزاء الباطنية لاشتراطه بغلبة الماء وجريانه بل انفصاله ولا يتحقق شئ من هذه الشرايط في الفرض * (الثاني) * بقاء غسالته النجسة فيه فلا يطهر * (الثالث) * عدم الدليل على طهارة مثل هذه الأشياء بالغسل بالماء القليل ويرد على الوجه الأول ان الحاكم باعتبار مثل هذه الشرائط في تحقق المفهوم انما هو العرف وهو لا يحكم باعتبارها بالنسبة إلى كل جزء جزء من اجزاء المغسول الا ان يتعلق الغسل بنفس الجزء على سبيل الاستقلال نظير اشتراط العصر في غسل الثوب فإنه لا يعتبر ملاحظته في كل جزء جزء ضرورة ان كثيرا من اجزاء الثوب الكبير الذي يعصر لا يتأثر بالعصر وكثير من اجزائه تتنقل غسالته إلى سائر اجزائه ولا تنفصل عنه * (وكيف) * كان فغسل الإناء القذر والحنطة المستنقعة في ماء قذر لدى العرف ليس الا استيلاء الماء القاهر النافذ في أعماقه عليه بحيث تستهلك قذارته أو تنتقل بواسطة الاجزاء المائية الواصلة إليها إلى الماء المستولي عليه الذي ينفصل عنه الا ترى انه لو رسخت شئ من القذارات كالدم مثلا في خشبة أو إناء وأريد تنظيفها من ذلك توضع مدة في الماء مرة أو مرتين أو أزيد إلى أن تنتقل إلى ما في جوفها من القذارة بواسطة الرطوبات الواصلة إليها إلى الماء فيتحقق بذلك غسله لدى العرف ولذا لم يستند أحد من القائلين بالمنع فيما وجدت من كلماتهم إلى انكار حصول مسمى الغسل بل ظاهرهم التسالم عليه كما يشهد بذلك اعترافهم به في الماء الكثير إذ لا فرق بين الغسل بالماء القليل والكثير من هذه الجهة لولا نجاسة الغسالة في الأول * (وكيف) * كان فالاستناد للمنع إلى هذا الوجه ضعيف واضعف منه الاستناد إلى الوجه الثالث كما حكى عن الذخيرة في رد استدلال صاحب المدارك للجواز باطلاق الامر بالغسل حيث قال في عبارته المتقدمة ليس في الأدلة فيما اعلم ما دل على الامر بالغسل في كل مادة بحيث يشمل مورد النزاع لاختصاصها بالبدن والثوب وبعض الموارد الخاصة فتعدية الحكم إلى غيرها تحتاج إلى دليل انتهى ولذا طعن عليه جل من تأخر عنه بان تطهير كل متنجس إذا غسل على الوجه المعتبر قاعدة كلية استفيدت من استقراء الموارد الخاصة والا لاحتجنا إلى الدليل في كل جزئي * (أقول) * ولو كان الامر كما زعم لا نحتاج في الحكم بطهارة سطحه الظاهر عند تنجسه أيضا أو سطحه الظاهر من باطنه عند شقه وغسله إلى دليل خاص وهو كما ترى فالشك في المقام انما نشأ من عدم قبول هذه الأشياء للعصر وبقاء ماء الغسالة فيها لا من قصور ما دل على مطهرية الغسل ولذا لو فرض عروض وصف النعومة للخشبة أو الحنطة المستنقعة في الماء بحيث أمكن عصرها أو استخراج غسالتها لا يستشكل أحد في كون حالها حال الثوب كما أنه لو فرض عروض وصف الخشونة للثوب بحيث تعذر استخراج ما نفذ فيه من الماء يتطرق فيه الاشكال كما هو الشان بالنسبة إلى عقب بعض أصناف النعال مما لا يقبل العصر اما لثخنه أو لوضع الخشبة فيه هذا مع أن من تلك الموارد الخاصة التي ورد الامر بغسلها الأواني وهى ربما تكون من الخشب أو الخزف وهما من قبيل ما نحن فيه فإذا ثبت جواز تطهيرهما بالقليل عند رسوب النجاسة فيهما ثبت في غيرهما بعدم القول بالفرق * (هذا) * كله مع أن لنا ان نقول إن مقتضى القاعدة طهارة كل متنجس بغسله بالماء الا ان يدل دليل تعبدي على خلافه فان تنظيف الأشياء المستقذرة بالعرض بغسلها بالماء كان معروفا لدى العرف والعقلاء مع قطع النظر عن الشرع والشارع انما تصرف في موضوع القذر بان حكم بقذارة بعض مالا يراه العرف قذرا فأوجب التنزه عنه بغسله بالماء ونفى قذارة بعض ما يزعمونه قذرا فلم يوجب التنزه عنه فما صدر من الشارع من الامر بغسل الثوب أو البدن أو غيرهما من البول أو الدم أو نحوهما ليس لبيان كون الغسل مطهرا بل لبيان قذارة ما امر بغسله واما كون الغسل في الجملة رافعا للقذارة فلم يكن محتاجا إلى البيان بل كان معروفا لدى أصحاب الأئمة عليهم السلام وغيرهم كما لا يخفى على من تدبر في الاخبار * (نعم) * ربما اعتبر الشارع في كيفية التطهير أمورا لم تكن معروفا لديهم كالتعفير والتعدد واعتبار كون الماء مطلقا أو غير ذلك لا انه جعل نفس الغسل بالماء مطهرا حتى نحتاج في كل مورد إلى مطالبة دليل خاص والحاصل ان كون الغسل مطهرا ليس امرا تعبديا وانما الامر التعبدي هو الخصوصيات التي ثبت اعتبارها في الشريعة وقد أشرنا انفا إلى أن غسل الحنطة والشعير ونحوهما لدى العرف ليس الا على النحو المزبور وغسالتها التي يجب التنزه عنها على تقدير استقذارها هي الماء المستولي عليها الذي تنتقل قذارة الاجزاء الظاهرة والباطنة إليه واما الاجزاء المائية الراسخة في باطنها التي هي واسطة في النقل
(٦٠٣)