وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ٦٧
بنعمائها، وفزت بحبورها، لم تهلك الصفوف، ولم تكثرت بالألوف، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، كنت ولم تجبن نفسك كالجبل العظيم الذي لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال ابن عمك رسول الله ضعيفا في بدنك، قويا في ذات الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله ورسوله، جليل عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد عندك هوادة الضعيف، والقوي عندك واحد، والقريب والبعيد عندك سواء في العطاء، تأخذ للضعيف من القوي، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وقولك حق، وأمرك حتم، ورأيك علم، فانقرضت وقد أوضح بك السبل، وأطفئت بك النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام، فجللت عين من لا يبكي عليك، وقد عظمت رزيتك في السماوات والأرض، وقد هدت مصيبتك جميع الاسلام وجميع الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه وسلمنا إليه أمره، فوالله لن يصاب الاسلام بمثل مصيبتهم بك، كنت لهم كهفا حصينا، وعلى الكافرين غيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وكان الناس كلهم يبكون لما يسمعون من كلامه، ثم انتحب باكيا ثم انتحب باكيا وانكب عليه يقبله والناس مما عاينوه منه سكارى كأنهم سقوا خمرا، ثم غاب ولم يعلمه، فسألوا الحسن (ع) وهو يبكي، فقال: هذا أخوه الخضر، ثم تأوه (ع) وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وا انقطاع ظهراه وا أبتاه وا علياه وا فاطماه وا محمداه من أجلكم تعلمنا البكاء، فإلى الله المشتكى وهو المستعان على الأمور كلها.
ثم ارتفع مقدم السرير، فرفع الحسن والحسين (ع) مؤخره ونحن نسمع تسبيحا، وتقديسا، وتكبيرا، وتهليلا من أعلى الهواء، وقائلا يقول: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم حجة الله، وأعظم لكم الاجر وجزاكم أحسن الجزاء، والصوت يردد هذه التعزية على هذه الصفة وخرجن نساء أهل الكوفة
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست