وهن بحالة تصدع القلوب القاسية بالندب والبكاء فردهن الحسن (ع)، وان الحيطان والجدران والنخيل والأشجار لتنحني على سريره إجلالا له وشوقا، حتى إذا بلغوا به الغري فوضع المقدم فوضعوا المؤخر، ثم تقدم الحسن وصلى عليه كما أمره، وكشفوا التراب وإذا بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها بخط حسن: (هذا قبر ادخره نوح النبي للعبد الصالح والميزان الراجح والصراط الواضح والعلم اللائح والزناد القادح، سراج الأمة والكاشف عن وجه رسول الله (ص) الغمة، إمام المشارق والمغارب علي بن أبي طالب (ع).
ثم سمعوا هاتفا يقول: أنزلوا الجسد الطاهر في التربة الطاهرة، فلقد اشتاق الأب إلى ولده، والحبيب إلى حبيبه. فألحده الحسن (ع) وخرج من قبره، فوقف عليه صاحبه صعصعة بن صوحان العبدي وأرسل دموعه كالسيل الجاري وهو يقول: هنيئا لك يا أبا الحسن بهذه الشهادة وهذه التربة، فلقد طبت وطاب مولدك فطيب الله بك التراب، وقد عظم صبرك، وارتفع قدرك وجاهك، وربحت تجارتك، ولحقت بدرجة ابن عمك محمد المصطفى (ص)، وشربت بكأسه الأوفى، فلقد من الله علينا بك، وباقتفاء أثرك، والعمل بسيرتك، وبموالاتك، ومعاداة عدوك، فنسأل الله أن يحشرنا في زمرتك، فلقد نلت من الشرف ما لم ينله أحدا، وأدركت ما لم يدركه مجتهد، ولقد جاهدت الفجار والكفار بين يدي رسول الله (ص) حتى أقيمت بك السنن، وارتفعت بك الفتن، واستقام بك الاسلام، وانتظم من أجلك الايمان، فكم قصم الله بك من جبار عنيد وذي بأس شديد، وكم هدم بك من حصون الكفر والضلال، فهنيئا لك لك يا أمير المؤمنين، كنت أقرب الناس إلى رسول الله نسبا، وأولهم سلما، وأكثرهم علما، وأسخاهم كفا، وأعدلهم قسما، وأقربهم جاها، فعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
فبكى وأبكى جميع من حضر، ثم أشرجوا عليه اللبن، وأهالوا عليه