وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ٧٢
تلك الضربة] ثم قتل، وأما معاوية فأصابه البرك في أليتيه ثم قتل. وسلم معاوية وفيه يقول ابن زيدون:
[فليتها إذ فدت عمرا بخارجة * فدت عليا بما شاءت من البشر] وكتب ابن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان يخبره بقتل علي وسلامته.
فبلغه الكتاب وكان في مجلسه ضرار بن ضمرة، فقال له: صف لي عليا يا ضرار - مظهرا للشماتة - فقال: اعفني من ذلك، قال له معاوية: لا أعفيك، فقال ضرار: رحم الله أبا الحسن عليا، كان فينا كأحدنا، ينبئنا إذا استنبأناه ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا أردناه، لا يغلق دوننا بابه، ولا يمنعنا حجابه، ونحن والله مع تقربه إلينا وقربة منا لا نكلمه هيبة منه، وكان إذا ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة عن لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، كان والله غزير الدمعة، كثير الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويناجي ربه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب،، كان يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في بطشه، ولا ييأس الضعيف من عدله. فقال معاوية وهو يبكي: زدني يا ضرار: فقال ضرار: رحم الله أبا الحسن، كان طويل السهاد قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، فكيف بك يا معاوية لو رأيته في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وغابت نجومه، وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم، ويئن أنين السقيم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري أبي تعرضتي أم إلي تشوقتي، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، ثم يقول: آه آه لبعد السفر، وقلة الزاد، ووحشة الطريق، وعظم السرى.
فبكى معاوية وجلساؤه، ثم قال: يا ضرار كان والله أبو الحسن كذلك وأكثر، ثم قال معاوية: رحمك الله يا أبا الحسن، كنت عفيا عمن جنى
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست