من كان حاضرا، ثم قال لهما: بالله ما اسمكما واسم أبيكما؟ فقالا له: أبونا أمير المؤمنين (ع) علي بن أبي طالب، وأنا الحسن، وهذا أخي الحسين، وهؤلاء بقية أولاده وأقربائه وجملة من أصحابه راجعين من دفنه، فقال:
سألتكما بالله وبجدكما رسول الله وأبيكما ولي الله إلا ما عرجتما بي على قبره لأجدد به عهدا، فقد تنغص عيشي بقتله وتكدرت حياتي بعد فقده.
فأخذه الحسن (ع) بيده اليمنى، والحسين (ع) بيده اليسرى، والناس من ورائهما بالبكاء والعويل المقرح للأكباد، حتى أتوا إلى القبر المنور، فجثى عليه وجعل يمرغ نفسه عليه ويحثو التراب على رأسه، حتى غشي عليه وهم حوله يبكون، وقد أشرفوا على الهلاك من كثرة البكاء والنحيب، فلما أفاق من غشوته رفع كفيه إلى السماء وقال: اللهم إني أسألك بحق من سكن هذه الحفرة المنورة أن تلحقني به وتقبض روحي إليك، فإني لا أقدر على فراقه ولا أستطيع التحمل لوجده واشتياقه، فاستجاب الله دعاؤه، فما وجدوه إلا مثل الخشبة الملقاة، فجهزوه، وقيل دفنوه بجنب أمير المؤمنين (ع):
يا قبر سيدنا المجن سماحة * صلى عليك الله يا قبر فليعذبن سماح كفك في التراب * وليورقن بجنبك الصخر والله لو بك لم أدع أحدا * إلا قتلت لفاتني الوتر قال الراوي: قال حبيب بن عمر: لما رجع الحسن (ع) من دفن أبيه تلك الليلة وهي الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان، رقى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على جده، ثم قال:
أيها الناس إن في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم (ع)، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين، إنه كان لا يسبقه أحد كان قبله من الأوصياء ولا بعده، وإنه كان رسول الله ليبعثه في السرية فيقاتل جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ومات ولم يورث بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه، كان