عليك، حليما بما سطى عليك، رقيق القلب، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟
فقال: صبري والله صبر من ذبح ولدها الواحد في حجرها بعد كبرها، فهي لا ترقى لها عبرة، ولا تبل لها حسرة، ولا تبرد لها زفرة. ثم قال: معاوية لأصحابه: أما إنكم لو فقدتموني ما كان فيكم من يثني علي مثلما يثني هذا على صاحبه علي، فقال له بعضهم: الصاحب على قدر صاحبه.
وشوهدت أم شيبان المذحجية بحضرة معاوية بهذه الأبيات تقول:
[لما ملكت أبا الحسين فلم تزل * بالحق تعرف هاديا مهديا] [فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت * فوق الأراك حمامة قمريا] [قد كنت بعد محمد خلفا لنا * أوصى إليك بنا وكان وفيا] [فاليوم لا خلف نؤمل بعده * هيهات نأمل بعده انسيا] قيل وبعث معاوية إلى دارمية الحجونية، فلما حضرت عنده قال لها:
أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، قال: بعثت إليك لأسألك عن حبك لعلي وبغضك إلي، وأليتيه وعاديتني، قالت:
اعفني، قال: لا أعفيك، قالت: إذا أبيت فإني أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمته بالسوية، وبغضتك على تقدمك على من هو أولى منك بالامر وطلبك ما ليس لك بحق، وواليت عليا على ما عقده له رسول الله من الولاية، وعلى حبه المساكين وتعظيمه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء وحكمك في الهوى.
وروي أنه قدمت عليه سودة بنت معمر الهمدانية شاكية من عامله بشر بن أرطأة وقد جار فيهم، فقالت: يا معاوية إن معاوية إن عزلته عنا شكرناك أو إلى الله شكوناك، فقال معاوية: والله لأحملنك إليه على قتب الشوس فينفذ فيك حكمه، فأطرقت رأسها ساعة ثم رفعت رأسها باكية حزينة وهي تنشد وتقول:
[صلى الإله على جسم تضمنه * قبر فأصبح فيه العدل مدفونا] [قد حالف الحق لا يبغي به بدلا * فصار بالحق والايمان مقرونا]