بهذا الكلام فما يقتلني والله غيره من الأنام، ولكن لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله وأصل إلى دار السلام.
وقال للحسن بن الجهم: يا بن الجهم لا يغرنك ما لقيته من إكرامي والاستماع مني، فإنه سيقتلني بالسم وهو ظالم لي إني أعرف ذلك بعهد معهود من آبائي (ع) عن رسول الله (ص). قال: والله ما منا إلا مقتول شهيد، فقيل:
ومن يقتلك يا بن رسول الله؟ فقال (ع): أشر خلق الله في زماني يقتلني بالسم ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة، ولما لم يتم للمأمون ذي الأشر والبطر، ما تخيله ودبر، من انتقاص الامام الأطهر، بولاية العهد التي جعلها سلما لارتقاء هذا الكيد بل لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما لم يزدد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم لما رأوه عليه من الانغماس في بحار العبادة والانزواء في زوايا الزهادة، ولم تغره زخارف مطمورة الرياسة الدنيوية عن عمارة الدار الأخروية، جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه أحد منهم فيسقط محله عند الفقهاء وأهل الأديان، ويشتهر نقصه في كل مقام فكان (ع) لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والدهرية والبراهمة والملحدين ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطع حجته وأبطل كلمته وألزمه بواضح البيان والبراهين، وكان الناس كلهم يقولون: والله إنه أولى الناس بالخلافة من المأمون، وكانت أصحاب الاخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده وحقده عليه، وكان الرضا (ع) لا يحابي المأمون بل يقتفي أثر جده النبي (ص) المفضال، في كل وقت وحال، وكان يجيبه في أكثر الأحوال، بما يكره فيغيظه ذلك ويحقد عليه ولا يظهره لديه في المقال، ولم يزل المأمون مستصحبا لهذا الحال ناسجا على هذا المنوال، حتى دنى الاجل المحتوم، فأظهر له ذلك الغل المكتوم، واجتهد في إزهاق روحه الشريفة وتبضيع كبده المنيفة بذعاف السموم.
شعر نصفه الأخير للمؤلف (ره):