وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ٢٩٨
نهارا من كثرة الشموع، وبين يديه سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعا بنا غلاما غلاما وأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه وليس بحضرتنا أحد من خلق الله غيرنا فقال: هذا العهد لازم لكم إنكم تفعلون ما آمركم به ولا تخالفوا منه شيئا، قال: فحلفنا له كلنا فقال: ليأخذ كل واحد منكم سيفا بيده وامضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى الرضا في حجرته، فإن وجدتموه قائما أو قاعدا أو نائما فلا تكلموه وضعوا أسيافكم عليه وأخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه، ثم اقلبوا عليه بساطه وامسحوا أسيافكم به وصيروا إلي، وقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل وكتمانه عشر بدر دراهم وعشر ضياع منتخبة والحظوظ عندي ما حييت وبقيت قال: فأخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلب طرفه ويديه ويتكلم بكلام لا نعرفه، فبادر إليه الغلمان بالسيوف ووضعت سيفي وأنا قائم أنظر إليه فليس على بدنه ما لا تعمل فيه السيوف فطووا بساطه وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال: ما صنعتم؟
قالوا فعلنا ما أمرتنا به فقال: لا تبدو منه شيئا مما كان.
فلما تبلج الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلل الأزرار، وأظهر وفاته وقعد للتعزية، ثم قام حاسرا حافيا فمشى لينظر إليه وأنا بين يديه، فلما دخل حجرته سمع همهمة فارتعد ثم قال: من عنده؟ قلت: لا علم لنا. فقال: أسرعوا وانظروا قال صبيح: فأسرعنا إلى البيت فإذا بسيدي (ع) جالس في محرابه يصلي ويسبح، فانتفض المأمون وارتعد ثم قال:
غررتموني لعنكم الله، ثم التفت إلي من بين الجماعة فقال: يا صبيح أنت تعرفه فانظر من بالمصلى عنده قال: فدخلت عليه وتولى المأمون راجعا وصرت عند عتبته فقال لي: يا صبيح قلت لبيك يا مولاي وقد سقطت لوجهي فقال لي:
قم يرحمك الله (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (1) قال: فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل

(1) سورة التوبة، الآية: 32.
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»
الفهرست