الفاجر فإن خرجت وأنا مكشوف الرأس فكلمني، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني، فلما دخل على المأمون عانقه وحياه بخشوع النفاق وخضوع الملاق تلقاه، وفي مجلسه المختص به قربه وأدناه، فلما قضى من محادثة المطلب واستكمل من الكلام معه المأرب قدم إليه ما سمه فيه من ذلك الرمان والعنب وأمره بالاكل بالحتم الموجب.
وفي خبر هرثمة لما سمعت الامر بالعنب والرمان لم أستطع الصبر، ورأيت النفضة قد عرضت في بدني فكرهت أن يتبين ذلك في وجهي فتراجعت القهقرى حتى خرجت فرميت نفسي في موضع من الدار، فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي (ع) قد خرج من عنده ورجع إلى داره، ثم رأيت الامر قد خرج من عنده المأمون فأمر بإحضار الأطباء فقلت: ما هذا؟ فقيل لي:
علة عرضت لأبي الحسن علي بن موسى، وكان الناس في شك وكنت على يقين.
وفي خبر أبي الصلت أنه استعفاه فقال (لع): لا بد من ذلك وما يمنعك أو لعلك تتهمنا بشئ فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حبات ورمى به، فقام (ع) فقال المأمون: إلي أين يا أبا الحسن؟ فقال: إلى حيث وجهتني، فقام وخرج (ع) وهو مغطى الرأس، فياليتني كنت الفداء له من جميع الناس مما يكابده من ذلك الباس والسم الذي أخمد منه الأنفاس، وأوجب لقضايا الشريعة المحمدية الانتكاس، ولأعلام الهداية الانطماس وللدروس العلية الاندراس فلما وصل إلى منزله ألقى بنفسه على فراش السقام ولم يزل يكابد مضاضة الآلام والشدائد العظام حتى تقيأ كبده الشريفة قطعة بعد قطعة، وألقى بمهجته اللطيفة بضعة بعد بضعة، فيا لها من مصيبة أرغمت معاطس أهل الايمان ورزية أذكت ضرام الأحزان في قلوب السادات من مضر وعدنان، وأصحبت لها رؤوس أهل الحق خاضعة إلى الأذقان، وأبكت الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين بالدمع الهتان.