أجله، دعى بالحسين ونصبه علما للناس، ودفع إليه كتب رسول الله (ص) وسلاحه، وكتب أمير المؤمنين (ع) وسلاحه، وأوصاه بجميع ما أوصى به أمير المؤمنين، ثم قال له: يا أخي إني مفارقك ولا حق بربي عز وجل، وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت، وإني لعارف بمن سقاني السم ومن أين دهيت، وأنا أخاصمه عند الله، فبحقي عليك لا تهرق في أمري ملء محجمة دما، فإذا قضيت نحبي، فغمضني، وغسلني، وكفني، واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله، لأجدد به عهدا وميثاقا، ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد، وادفني هناك، وستعلم يا ابن أمي أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند جدي، فيجدون في منعك، فبالله أقسم عليك لا تهرق في أمري ملء محجمة دما.
ثم أوصاه بجميع أهله وأولاده، وما كان أوصى به أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله، ودل شيعته على إمامته ونصبه لهم علما من بعده، ثم التفت إلى أولاده وإخوته وأمرهم باتباع الحسين، وأن لا يخالفوا له أمرا.
ثم أنه لما حضره الموت وكان الحسين (ع) عنده جعل يجود بنفسه، فقال له أخوه الحسين يعزيه: يا أخي ما هذا الجزع؟ إنك ترد على رسول الله وعلى علي وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عماك، فقال له الحسن (ع):
إني أدخل في أمر لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثلهم قط.
فبكى الحسين.
ثم أن الحسن قال أستودعكم الله، والله خليفتي عليكم، ثم أنه غمض عينيه ومد يديه ورجليه، ثم قضى نحبه وهو يحمد الله ويقول: لا إله إلا الله، فضج الناس ضجة عظيمة، وصار كيوم مات رسول الله، وخرج أولاده وإخوته يبكون وينوحون، وأمثل بنو هاشم رجالا ونساء يبكون عليه ويدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور.