ناوليني الصندوق الفلاني، فأتت به، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن وعمامته وألبسهما القاسم ومسك بيد ابنته المسماة للقاسم وعقد له عليها وأفرد له خيمة وخرج عنهما، فعاد القاسم ينظر إلى ابنة عمه ويبكي إلى أن سمع الأعداء ينادون: هل من مبارز؟ فرمى بيد زوجته وأراد الخروج فجذبت ذيله ومانعته عن الخروج وهي تقول: ما الذي تريده؟ فقال: أريد ملاقاة الأعداء، فلزمت ذيله، فقال لها: خلي ذيلي فإن عرسنا أخرناه إلى الآخرة، فبكت لذلك بكاء شديدا وانفجع أهل البيت بالبكاء والنحيب، ثم قالت له: يا قاسم أنت تقول عرسنا أخرناه للآخرة وفي الآخرة بأي شئ أعرفك، قال: فمسك القاسم يده وضرب بها على ردنه فقطعها وقال: اعرفيني بهذه الردن المقطوعة، قال:
فانفجع أهل البيت بالبكاء والنحيب لفعل القاسم وبكوا ونادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ثم أن القاسم ركب جواده وخرج للبراز، فلما رآه الحسين قال له: يا ولدي أتمشي برجلك إلى الموت؟ فقال: نعم يا عم وكيف لا أمشي برجلي إلى الموت وأنت بين الأعداء وحيدا فريدا لم تجد محاميا ولا معينا، روحي لروحك الفدا، ونفسي لنفسك الوقا.
فعند ذلك برز القاسم إلى الميدان، ولم يزل يجاهد أعداء الله حتى غلب عليه العطش، فرجع إلى عمه الحسين وقال: العطش العطش يا عماه، أدركني بشربة من الماء فصبره الحسين وقال له: ما أسرع ما تلقي جدك رسول الله فيسقيك شربة لا تظمأ بعدها أبدا، ثم أعطاه خاتمه فمصه، فصار له ماء منه، فارتوى وانقلب إلى الميدان، فلم يزل يقاتل وقد جعل همته على صاحب لواء عمر بن سعد، فاحتاطوا به من كل جانب ومكان بالنبل، فضربه شيبة بن سعد الشامي بالرمح في ظهره أخرجه من صدره، فوقع القاسم يخور في دمه ونادى: يا عماه أدركني، فجاء إليه الحسين وقتل قاتله وحمله إلى الخيمة ووضعه فيها، ففتح القاسم عينيه فرأى عمه الحسين قد احتضنه وهو