عثمان، ويستغفر لعثمان ويزكيه، فيقوم حجر بن عدي فيقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم﴾ (1) وإني أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ممن تطرون، ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون. فيقول له المغيرة: يا حجر! ويحك! اكفف من هذا، واتق غضبة السلطان وسطوته؛ فإنها كثيرا ما تقتل مثلك، ثم يكف عنه.
فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوما في آخر أيامه يخطب على المنبر، فنال من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولعنه، ولعن شيعته، فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل من كان في المسجد وخارجه. فقال له: إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع، أوهرمت! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا؛ فإنك قد حبستها عنا، ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين.
فقام معه أكثر من ثلاثين رجلا يقولون: صدق والله حجر! مر لنا بأعطياتنا؛ فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا. وأكثروا في ذلك.
فنزل المغيرة ودخل القصر، فاستأذن عليه قومه، ودخلوا ولاموه في احتماله حجرا، فقال لهم: إني قد قتلته. قال: وكيف ذلك؟! قال: إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه، فيأخذه عند أول وهلة، فيقتله شر قتلة.
إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، وما أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم، وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز معاوية في الدنيا، ويذل المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد جربوا العمال (2).