حدث فأصله الأشعث، ولولا محاقته (1) أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب النهروان، ولكان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينهض بهم إلى معاوية، ويملك الشام؛ فإنه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة (2).
وفي المثل النبوي صلوات الله على قائله: " الحرب خدعة "، وذاك أنهم قالوا له: تب إلى الله مما فعلت كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون، وهي قوله: " أستغفر الله من كل ذنب "، فرضوا بها، وعدوها إجابة لهم إلى سؤلهم، وصفت له (عليه السلام) نياتهم، واستخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب.
فلم يتركه الأشعث، وجاء إليه مستفسرا وكاشفا عن الحال، وهاتكا ستر التورية والكناية، ومخرجا لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما يفسد التدبير، ويوغر الصدور، ويعيد الفتنة، ولم يستفسره (عليه السلام) عنها إلا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن (3)، ولا ترقيقا عن صبوح (4)، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه، ولا يترك الكلمة على احتمالها،