في أمور ترجع إلى دينهم والإمارات والولايات ونحو ذلك.
ففرق جلي بين هذه الأمور وبين براءة ونظائرها؛ فإن ما تتضمنه آيات براءة وأمثال النهي عن الطواف عريانا والنهي عن حج المشركين بعد العام أحكام إلهية ابتدائية لم تبلغ بعد ولم تؤد إلى من يجب أن تبلغه؛ وهم المشركون بمكة والحجاج منهم، ولا رسالة من الله في ذلك إلا لرسوله. وأما سائر الموارد التي كان يكتفي النبي (صلى الله عليه وآله) ببعث الرسل للتبليغ فقد كانت مما فرغ (صلى الله عليه وآله) فيها من أصل التبليغ، والتأدية بتبليغه من وسعه تبليغه ممن حضر؛ كالدعوة إلى الإسلام وسائر شرائع الدين، وكان يقول: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب ".
ثم إذا مست الحاجة إلى تبليغه بعض من لا وثوق عادة ببلوغ الحكم إليه أو لا أثر لمجرد البلوغ إلا أن يعتني لشأنه بكتاب أو رسول (1) توسل عند ذلك إلى رسالة أو كتاب؛ كما في دعوة الملوك.
وليتأمل الباحث المنصف قوله: " لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك "، فقد قيل: " لا يؤدي عنك إلا أنت " ولم يقل: " لا يؤدي إلا أنت أو رجل منك " حتى يفيد اشتراك الرسالة، ولم يقل: " لا يؤدي منك إلا رجل منك " حتى يشمل سائر الرسالات التي كان (صلى الله عليه وآله) يقلدها كل من كان من صالحي المؤمنين. فإنما مفاد قوله:
" لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك " أن الأمور الرسالية التي يجب عليك نفسك أن تقوم بها لا يقوم بها غيرك عوضا منك، إلا رجل منك؛ أي لا يخلفك فيما عليك كالتأدية الابتدائية إلا رجل منك.
ثم ليت شعري ما الذي دعاهم إلى أن أهملوا كلمة الوحي التي هي قول الله