قال: وما هي؟
قال: " تتركني حتى ارجع إلى المدينة إلى حرم جدي رسول الله ".
قال: ما لي إلى ذلك سبيل.
قال: " أسقوني شربة من الماء فقد نشفت كبدي من الظمأ ".
فقال: ولا إلى الثانية سبيل.
قال: " وإن كان لابد من قتلي فليبرز إلى رجل بعد رجل ".
فقال: ذلك لك.
فحمل على القوم، (1) ورشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ، فأحجم عنهم - أي كف عنهم - فكأنه (عليه السلام) ضعف، فوقفوا بازائه، فخرج إليه تميم بن قحطبة وهو من أمراء الشام في تلك الحالة، قال يا ابن علي إلى متى الخصومة وقد قتل أولادك ومواليك وأنت بعد تضرب بالسيف مع عشرين ألفا؟!
فقال (عليه السلام): " انا جئت إلى محاربتكم أم أنتم جئتم إلى محاربتي، انا منعت الطريق عنكم أم أنتم منعتموه عني، وقد قتلتم إخوتي وأولادي، وليس بينكم وبيني إلا السيف ".
فقال اللعين: فلا تكثر المقال فتقدم إلي حتى أرى ما عندك.
فصاح الحسين (عليه السلام) صيحة عظيمة وسل السيف وضرب عنقه، فتبعد خمسين ذراعا، فاضطرب العسكر وصاح يزيد الأبطحي (لعنه الله): ويلكم انكم عجزتم عن رجل واحد تفرون عنه ثم برز إلى الإمام (عليه السلام) وكان اللعين مشهورا بالشجاعة، فلما رآه العسكر أظهروا البشاشة والسرور، فصاح (عليه السلام) به: " ألا تعرفني تبرز إلي كمن لاخوف له " فلم يجبه اللعين وسل سيفه على الإمام، فسبقه الامام وضرب على وسطه بالسيف فقده نصفين. (2) قال بعض الرواة: فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا منه، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم ولقد تكملوا ثلاثين ألفا، فيهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلى مركزه، وهو يقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". (3)