النهوض - احتراما لأبيه - فلم يتمكن من شدة المرض، فقال لعمته: " سنديني إلى صدرك فهذا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أقبل " - انظر أيها القارئ إلى الأدب الرفيع للابن تجاه أبيه - فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها، فجعل الحسين (عليه السلام) يسأل ولده عن مرضه، وهو يحمد الله تعالى، فسأله ابنه قال: " يا أبتاه ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين "؟
فقال له الحسين (عليه السلام): " يا ولدي قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وقد شب الحرب بيننا وبينهم، لعنهم الله حتى فاضت الأرض بالدم منا ومنهم ".
فقال علي السجاد (عليه السلام): " يا أبتاه أين عمي العباس؟ "، فاختنقت زينب بعبرتها، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه، لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس خوفا من أن يشتد مرضه.
فقال (عليه السلام): " يا بني ان عمك قد قتل، قطعوا يديه على شاطئ الفرات ".
فبكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاءا شديدا حتى غشي عليه، فلما أفاق من غشوته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته، والحسين (عليه السلام) يقول له: " قتل ".
فقال: " وأين أخي علي، وحبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، وزهير بن ألقين "؟
فقال له: " يا بني اعلم أنه ليس في الخيام رجل حي إلا أنا وأنت، وأما هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلهم صرعى على وجه الثرى "، فبكى علي بن الحسين بكاءا شديدا، ثم قال لعمته زينب: " يا عمتاه علي بالسيف والعصا ".
فقال له أبوه: " وما تصنع بهما ".
فقال: " أما العصا فأتوكأ عليها، وأما السيف فأذب به بين يدي ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه لاخير في الحياة بعده ".
ما أروع هذه الكلمات التي جسدت لنا بعض تلك القلوب المشحونة بالعاطفة والحب والأدب، إذ لن تستطيع الكلمة أن تجسدها كلها.
وهنا فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك وضمه إلى صدره وقال له: " يا ولدي أنت أطيب ذريتي، وأفضل عترتي، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال، فإنهم غرباء مخذولون، قد شملتهم الذلة واليتم وشماتة الأعداء ونوائب الزمان، سكتهم إذا صرخوا، وآنسهم إذا استوحشوا، وسل خواطرهم بلين الكلام، فإنهم ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك، ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك، دعهم يشموك وتشمهم، ويبكوا عليك