من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٢٥٦
والاستعداد للبلاء، وأمرهن بالخلود إلى الصبر والتسليم لقضاء الله قائلا:
" استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم " (1).
وذابت أسى أرواح بنات الرسول (صلى الله عليه وآله) حينما رأين الإمام بتلك الحالة يتعلقن به ويودعنه، وقد وجلت منهن القلوب، واختطف الرعب ألوانهن، والتاع الإمام حينما نظر إليهن وقد سرت الرعدة بأوصالهن (2).
يقول الإمام كاشف الغطاء: من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين (عليه السلام) وقد تلاطمت أمواج البلاء حوله، وصبت عليه المصائب من كل جانب، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقي من الأطفال، فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة وبنات علي والزهراء (عليهما السلام) فخرجت المخدرات كسرب القطا المذعورة، فأحطن به وهو سابح بدمائه، فهل تستطيع أن تتصور حالهن وحال الحسين في ذلك الموقف الرهيب ولا يتفطر قلبك، ولا يطيش لبك، ولا تجري دمعتك (3)؟
لقد كانت محنة الإمام في توديعه لعياله من أقسى وأشق ما عاناه من المحن والخطوب، فقد لطمن بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجوههن، وارتفعت أصواتهن بالبكاء والعويل، وهن يندبن جدهن الرسول (صلى الله عليه وآله) وألقين بأنفسهن عليه لوداعه، وقد أثر ذلك المنظر المريع في نفس الإمام الحسين (عليه السلام) بما لا يعلم بمداه إلا الله.
وهنا نادى ذلك الرجس الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الإمام قائلا: إهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه، فوالله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم.
وحمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام، وتخالفت السهام بين أطناب المخيم، وأصاب بعضها ازر بعض النساء فذعرن ودخلن الخيمة، وخرج بقية الله في الأرض الحسين الباسل كالليث الغضبان على أولئك الممسوخين، فجعل يحصد رؤوسهم

1 - مقتل الحسين / ص 337 - للمقرم.
2 - حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ج 3 / ص 283.
3 - حياة الإمام الحسين (عليه السلام) نقلا عن جنة المأوى / ص 115.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»