مدخل إلى دراسة نص الغدير - الشيخ محمد مهدي الآصفي - الصفحة ٦٢
أقول: لا اعترض لي على هذا الحكم العقلي، وهو صحيح ومتين. ولكن هذا الحكم العقلي يكشف إلى جنب هذه الحقيقة عن مسألة أخرى، لا أعتقد أن عالما من علماء المسلمين يقرها ويرتضيها، وهي: أن الله تعالى قد ترك أمر الإمامة في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي خير الأمم، وأفضلها، وآخرها، فلم ينصب لهم إماما، ولم يفوض إليهم أمر اختيار الإمام في بيان صريح من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، علما بأنه قد خص سبحانه وتعالى أمر الحكم والولاية والإمامة لنفسه تعالى فقال: (إن الحكم إلا لله)، (وما كان ربك نسيا) مريم: 64.
ولا يمكن الدفاع عن وجهة النظر هذه في اللجوء إلى حكم العقل بادعاء ضياع النصوص المتعلقة بالتفويض فيما ضاع من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن خطورة هذه النصوص، وأهميتها السياسية، وارتباطها بأخطر قضية وأهمها في حياة المسلمين بعد مسألة التوحيد تمنع من هذا الاحتمال. فلا يمكن أن يضيع نص بهذه الأهمية تتعلق به شرعية خلافة الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولم يرو لنا المؤرخون وأصحاب السير فيما رووا لنا من أحداث اجتماع المسلمين يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقيفة بني ساعدة وانتخاب الخليفة نصا يتضمن هذا التفويض الذي نبحث عنه في هذا المدخل.
ثانيا - الجانب الصغروي (التطبيقي) من التفويض في العنوان الأول تحدثنا عن أصل شرعية التفويض والأدلة التي يمكن أن يتمسك بها القائلون بالاختيار على إثبات شرعية التفويض، وإثبات أن الله تعالى قد فوض عباده أمر اختيار الإمام من الناحية الكبروية الكلية.
والآن نتحدث عن الجانب الصغروي والتطبيقي لمسألة التفويض والأدلة التي
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»