مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ١٩٢
بني لأغراض سياسية، وسيأتي زمان إن شاء الله تعالى لا ترى بفضل جهود المصلحين المخلصين هذا التفرق المذهبي، ولا يبقى من العلماء المجتهدين من ينسب نفسه إلى الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة أو أحمد، بل يتبع اجتهاده واستنباطه هو، لأنه لم تدل آية ولا رواية على أنهم أولى من غيرهم ممن يأتي بعدهم، وأن اجتهادهم أقوى من اجتهاد مجتهدي عصرنا، فهم واجتهادهم ونحن واجتهادنا، والباحث يعرف قصة هذا الحصر في الاجتهاد الذي لم يكن في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا في عصر الصحابة، إلا أن أرباب السياسة خافوا أن يؤدي فتح باب الاجتهاد إلى ظهور شخصيات علمية مرموقة، فلا يكون لهم بد من الخضوع لفقههم وآرائهم وزعامتهم الدينية، الأمر الذي يتعارض مع سلطتهم الاستبدادية، وأنظمتهم الكسروية والقيصرية، لأن العلماء إذا ملكوا القلوب يقومون بواجبهم، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر والظلم والاستبداد والاستعباد.
وهؤلاء علماء الإمامية بفضل نعمة فتح باب الاجتهاد، وما يترتب عليه من وجود مرجعية دينة نافذة القول في قلوب الناس، ترى منهم رجالا في كل عصر يحرسون الإسلام ويبلغون رسالته، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقفون في وجه ظلم الحكام والأمراء، وربما ثاروا على المستكبرين الجبارين، وبذلك يؤكدون على أن الدين هو العقيدة والسياسة والنظام والقضاء والعبادة والأخلاق، وأنه يجب أن يكون رجالات الدين رجالات السياسة والإدارة والحكومة، لا تنفصل الأولى عن الثانية، بل السياسة من الدين داخلة فيه دخول الجزء في الكل، فالحكومة الشرعية الرشيدة هي الحكومة التي يتولاها الفقيه مباشرة أو يكون تحت رعايته وإرشاده وأمره ونهيه.
هذا وقد عرفت أن فقهاء الشيعة مع قولهم بفتح باب الاجتهاد اتفقوا خلفا عن سلف على ثبات أحكام الله تعالى، ولا يجوزون تغيير أي حكم من أحكام الله تعالى لأحد حتى لأئمتهم الذين يقولون بعصمتهم، ومع أن فقهاء الإمامية لا يقولون بالرأي والقياس بل يفتون بالكتاب والسنة في المسائل المستحدثة كغيرها، ويرون أن ما أدى إليه اجتهادهم حكم الله تعالى الذي لا يتغير أبدا، إلا أن ينكشف خطؤهم في إصابته.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»