إجماع الصحابة من راجع جوامع الحديث رجوع تبصر وتعمق يظهر له أن ادعاء إجماع الصحابة في مسائل كثيرة ليس مقطوعا به، لا يثبت بنقل أقوال عدة قليلة منهم، فإنهم لم ينقلوا في المسائل التي عدوها إجماعية إلا أقوال عدة من الصحابة لعلها لا تتجاوز في مسألة واحدة عن العشرة، وأكثر هؤلاء أيضا كان من الفئة السياسية الغالبة على الأمر والحكم والسلطة، ثم في نقل أقوالهم ورواياتهم أيضا عملت السياسة عملها الغاشم، ومع ذلك من أين يأتي الجزم بإجماع الصحابة ويحكم بتحققه وهم ألوف، وفيهم مآت من أكابرهم وعظمائهم.
ومن أين يحصل العلم بالإجماع الذي يدعى تحققه بعد عصر الصحابة في المسائل التي امتاز أهل البيت (عليهم السلام) برأيهم الخاص بهم، الذي لا ترضى السياسة والحكومة الأخذ بها واتباعها وإشاعتها دون آراء غيرهم، ممن يرى شرعية حكوماتهم ولا ينكر عليهم استبدادهم واستضعافهم عباد الله، واتخاذهم إياهم خولا ومال الله دولا.
وكيف يحكم بإجماع الصحابة بعد ما نرى أن مثل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما حينما يقول: (ترى إن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يحص في مال نصفا ونصفا وثلثا إذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث؟ وقال: أول من عال الفرائض عمر بن الخطاب، قال: والله ما أدري كيف أصنع بكم ما أرى أيكم قدم الله وأيكم أخر، ثم قال ابن عباس: وأيم الله لو قدم من قدم الله، وأخر من اخر الله ما عالت فريضة، فقيل: ما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ قال: هبته والله (1).