مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ١٥١
قلنا: إن ما قلتم خلاف الظاهر، فإن مدلولها ليس أن بعضهم أولى ببعض تشريعا وقانونا وإن كان أبعد من الميت من غيره، بل في الآيتين مضافا إلى تشريع أولوية بعضهم ببعض إشارة إلى جهة واقعية، ورابطة تكوينية تكون بين الوارث والمورث وهي المناط في أولوية الوارث، فمن كان بهذه الرابطة أقرب إلى الميت فالعرف والارتكاز يراه أولى به، والشرع قرر هذا الارتكاز العرفي، فجاء تشريعه موافقا للتكوين، فكأنه بقوله (وأولوا الأرحام...) بين ما يراه العرف، ويأمر به حسب اقتضاء طبع الموضوع.
وكيف كان فلا ريب في أن الأقرب يمنع الأبعد بحكم الآيتين، وأن توريث الأبعد بالعصبة في الموارد الكثيرة نقض لهذه القاعدة المرتكزة في الأذهان التي حكم بها الشارع، وأبطل بها غيرها من أحكام الجاهلية، كما أنه لا ريب في أن خصوص الذكر الأقرب من الميت دون الأنثى التي هي في درجته، كما يفعله القائل بالتعصيب، خروج على هذا النص القرآني.
آية أخرى:
ومما خرجوه على النصوص القرآنية قولهم بأن الأخ يرث النصف مع البنت، فإنه مضافا إلى خروجه على قوله تعالى (وأولوا الأرحام...) خروج على النص القرآني الآخر وهو قوله تعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) (1) وذلك لأن إرث الأخ من الأخت مشروط بحكم الآية بانتفاء الولد، ولا ريب في أن البنت ولد، بدليل قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فلا يكون الأخ وارثا مع الولد مطلقا بنتا كان الولد أو ابنا، لأن المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، فتوريث الأخ النصف مع البنت خروج على الكتاب العزيز.

(1) النساء - 176
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»