فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان، وإن بينك وبينه لقرونا، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دورا وآجامها قصورا، فالهرب الهرب فإنه لا بصرة لكم يومئذ.
ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له المنذرين الجارود:
فداك أبي وأمي: أربعة فراسخ. قال له: صدقت، فوالذي بعث محمد صلى الله عليه وآله وأكرمه بالنبوة، وخصه بالرسالة، وعجل بروحه إلى الجنة، لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ، وسيكون بالتي تسمى أبلة موضع أصحاب العشور، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألف شهيد، هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.
فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم، فذاك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم اخوان وهم جيل كأنهم الشياطين، سود ألوانهم، منتنة أرواحهم، شديد كلبهم، قليل سلبهم طوبى لمن قتلوه. ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان، مجهولون في الأرض، معروفون في السماء، تبكي عليهم السماء وسكانها، والأرض وسكانها - ثم هملت عيناه بالبكاء - ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لا رهج له ولاحس.
فقال له المنذر: وما الذي يصيبهم من قبل (قبل) الغرق مما ذكرت؟
فقال: هما بابان: فالويح باب الرحمة، والويل باب عذاب. يا ابن الجارود، نعم:
ثارات عظيمة. منها عصبة يقتل بعضهم بعضا. ومنها فتنة يكون فيها إخراب منازل وخراب ديار وانتهاب أموال وسباء نساء يذبحن ذبحا، يا ويل أمرهن حديث عجيب.
ومنها أن يستحل الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والاخرى ممزوجة لكأنها في الحمرة علقة، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء، أنا جيلهم في صدورهم، يقتل من يقتل، ويهرب