صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٥٥
صاحبها - فيما قاله معاوية ذات يوم لعمرو بن العاص وفد تحدى الحسن بن علي (عليهما السلام)، فرد عليه الحسن بتحديه البليغة التي لم يسلم منها المحرض عليها - أيضا -، فقال معاوية لعمرو: " والله ما أردت الا هتكي، ما كان أهل الشام يرون أن أحدا مثلي حتى سمعوا من الحسن ما سمعوا (1) ".
4 - وكان من الرشاقة السياسية التي لا يخطئها معاوية في سبيل طموحه الأناني الا نادرا، أن يدعو إلى " الصلح " فيلح عليه ويشهد على دعوته هذه أكبر عدد ممكن من الناس في القطرين - الشام والعراق - وفي سائر الآفاق التي يصلها صوته من بلاد الاسلام. ثم هو لا يقصد من وراء هذه الدعوة - على ظاهرتها - الا التمهيد لغده القريب الذي ستنكشف عنه نتائج الحرب بينه وبين الحسن. وكان أحد الوجهين

(1) المحاسن والمساوئ للبيهقي (ج 1 ص 64).
وفي القصص التاريخي نوادر كثيرة عن جهل أهل الشام بأعلام الاسلام فمن ذلك أن أحدهم سأل رجلا من زعمائهم وذوي الرأي والعقل فيهم: " من أبو تراب الذي يلعنه الامام - يعني معاوية! - على المنبر؟ " قال: " أراه لصا من لصوص الفتن!!! ". وسأل شامي صديقا له وقد سمعه يصلي على محمد (ص): " ما تقول في محمد هذا، أربنا هو؟ ".
ولما فتح عبد الله بن علي الشام سنة 132 هجري وجه إلى أبي العباس السفاح أشياخا من أهل الشام من أرباب النعم والرئاسة، فحلفوا لأبي العباس أنهم ما علموا لرسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قرابة ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية، حتى وليتم الخلافة..!! " يراجع عنه مروج الذهب على هامش الجزء السادس من الكامل لابن الأثير (ص 107 و 108 و 109).
أقول: وهذا يدل على أن عامة الملوك الأمويين نهجوا على سياسة معاوية في تجهيل الناس بعظمائهم ولا سيما بأهل البيت عليهم السلام ومنع نفوذ أسمائهم إلى الشام. ويدل - أيضا - على مبلغ عناية أولئك الشاميين باسلاميتهم. والمظنون أن الشام - على العهد الأموي - كانت لا تزال تزخر بأكثرية غير مسلمة من بقايا أهلها الأصليين - الروم والآراميين -. ولا نعهد غير قضية الفتح عملا جديا آخر كان من شأنه أن يغير القديم عن قدمه، ولا نعهد تصريحا تاريخيا ينقض علينا هذا الظن.
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 258 259 260 261 ... » »»