صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٥٤
الانتقاض عليه والنكول عنه، وبالجيش كله عن الانهيار أخيرا.
وكان معاوية لا يزال يتذكر في زحفه على الحسن، حديث النعمان بن جبلة التنوخي معه في " صفين " - وهو إذ ذاك أحد رؤساء جنوده المحاربين -، وقد صارحه بما لم يصارحه بمثله شامي آخر، وسخر منه بما لم يسخر بمثله رعية من سلطان. وما يؤمن معاوية أن يشعر الناس تجاهه - اليوم - شعور ذلك التنوخي المغلوب على أمره - يومئذ.
وكان مما قاله هذا التنوخي لمعاوية في صفين: " والله لقد نصحتك على نفسي، وآثرت ملكك على ديني، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه، وحدت عن الحق وأنا أبصره، وما وافقت لرشد وأنا أقاتل عن ملك ابن عم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وأول مؤمن به ومهاجر معه، ولو أعطيناه ما أعطيناك، لكان أرأف بالرعية وأجزل في العطية، ولكن قد بذلنا لك الامر، ولابد من اتمامه كان غيا أو رشدا، وحاشا أن يكون رشدا. وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها، إذا حرمنا أثمار الجنة وأنهارها!.. (1) ".
وكان من سياسة معاوية، حبس أهل الشام عن التعرف على أحد من كبراء المسلمين - خارج الشام - لئلا يكون لهم من ذلك منفذ إلى انكاره أو الانقسام عليه. ولذلك فلا نعرف كيف تسنى لهذا الشامي معرفة ابن عم رسول الله (ص) ومعرفة سبقه إلى الايمان ورأفته بالناس وكرمه في العطاء وأولويته بالامر.
وحري معاوية على تجهيل أهل الشام بأعلام الاسلام إلى آخر عهده، وكانت سياسته هذه، هي أداته في التجمعات التي ساقها لحروب صفين أولا، ولحرب الحسن بن علي في مسكن أخيرا.
وتجد ظاهرة هذه السياسة - بما فيها من اعلان عن ضعف

(1) المسعودي (هامش ابن الأثير ج 5 ص 216).
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 258 259 260 ... » »»