وخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان امام المسلمين وسيد المتقين والعابدين، وخرجت الشيعة وهي تلطم الصدور وتذرف الدموع وخرجت السيدات من نسائهم، وهن يندبن الامام، ويرفعن أصواتهن بالنياحة عليه.
وسارت مواكب التشييع وهي تجوب في شوارع بغداد، وتردد أهازيج اللوعة والحزن، وأمام النعش المقدس مجامير العطور، وانتهى به إلى موضع في سوق سمى بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس لئلا تطأه الناس بأقدامهم تكريما له (1) وانبرى شاعر ملهم فأبن الامام بهذه الأبيات الرائعة:
قد قلت للرجل المولى غسله * هلا أطعت وكنت من نصائحه جنبه ماؤك ثم غسله بما * أذرت عيون المجد عند بكائه وأزل أفاويه الحنوط ونحها * عنه وحنطه بطيب ثنائه ومر الملائكة الكرام بحمله * كرما الست تراهم بأزائه لاتوه أعناق الرجال بحمله * يكفي الذي حملوه من نعمائه (2) وسارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن، وقد ساد عليها الوجوم والحزن، حتى انتهت إلى مقابر قريش فحفر للجثمان العظيم قبر، وانزله فيه سليمان بن أبي جعفر، وهو مذهول اللب، فواراه فيه وارى فيه الحلم والكرم والعلم، والإباء.
وانصرف المشيعون، وهم يعددون فضائل الامام، ويذكرون بمزيد من اللوعة الخسارة التي مني بها المسلمون، فتحيات من الله على تلك الروح العظيمة التي ملأت الدنيا بفضائلها وآثارها ومآثرها.
تقلد الإمام الرضا للزعامة الكبرى:
وتقلد الإمام الرضا (عليه السلام) بعد وفاة أبيه الزعامة الدينية الكبرى، والمرجعية العامة للمسلمين، وقد احتف به العلماء والفقهاء وهم يسجلون آراءه في ميادين الآداب والحكمة، وما يفتي به من المسائل الشرعية وغير ذلك من صنوف المعارف والعلم.