" يا فتح انما قلت: اللطيف للخلق اللطيف، ولعلمه بالشئ اللطيف، الا ترى إلى أثر صنعه - أي صنع الخالق العظيم - في النبات اللطيف وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، واهتدائه للفساد، والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار، وافهام بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها، حمرة مع صفرة، وبياض مع حمرة، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وان كل صانع شئ فمن شئ صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ... ".
وحكى هذا المقطع الآثار المدهشة لبدائع خلق الله تعالى وذلك في خلقه لأجسام الحيوانات الصغار من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يتميز فيها الذكر من الأنثى فقد وهبها الله تعالى الادراك فاهتدت إلى السفاد لبقائها واستمرارها على الأرض، كما وهبها الادراك للفرار من الاخطار التي تواجهها فسبحان، الخالق اللطيف، ومضافا لذلك ما تتمتع به من الألوان الزاهية الجالبة للنظر، واتخاذها لحاء الأشجار والمفاوز والقفار مقرا وبيوتا لها، إلى غير ذلك من ألطاف الله التي تحيط بها، فسبحان الخالق العظيم ما أعظم ألطافه على جميع الكائنات الحية.
وانبرى الفتح قائلا:
" جعلت فداك، وغير الخالق الجليل خالق؟ " فاجابه الإمام (عليه السلام):
" ان الله تبارك وتعالى يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين) فقد أخبر ان في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار... ".
واعترض الفتح على الامام قائلا:
" إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا