حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ٢٧٦
ما ركب في ذات من جسمه (1) وهو اللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء، ومجسم الأجسام، ومصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ، فرق بين جسمه وصوره، وشيئه وبينه إذ كان يشبهه شئ.
وانبرى الفتح قائلا:
" الله واحد، والانسان واحد فليس قد تشابهت الواحدانية؟
وفند الامام هذه الشبهة قائلا:
أحلت - أي أتيت بالمحال - ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني فاما الأسماء فهي واحدة (1) وهي دالة على المسمى وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين والانسان نفسه ليس بواحد لان أعضاءه مختلفة غير واحدة وهو اجزاء مجزأ ليس سواء، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى.
والله جل جلاله واحد، لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه ولا تفاوت، ولا زيادة ولا نقصان، فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من اجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد ".
إن اطلاق الواحد على الله تعالى يغاير اطلاق الواحد على الانسان، فإن الانسان مؤلف من أجزاء مختلفة ومتباينة كالقلب والرئتين والعينين والكليتين وغيرهما من الخلايا والأعضاء، وباجتماعها أطلق عليها الواحد أما بالنسبة إلى الخالق العظيم تعالى فإنه لم يكن مركبا ولا مؤلفا من عدة اجزاء مجتمعة كي يطلق عليه لفظ الواحد.
وقال الفتح:
" فسر لي اللطيف، فإني اعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل... ".
وأجابه الإمام (عليه السلام)

(1) أي انه تعالى منزه من ذوات الأشياء والاجزاء التي ركبها وجعلها في ذات من أوجده جسما.
(2) المراد ان التشبيه الذي ينفى عنه تعالى انما هو في الحقائق لا في الأسماء والألفاظ فإنه يقع فيه وتعالى وفي غيره، فيصح اطلاق الواحد على الانسان وعلى الله تعالى.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست