ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين، ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه، ارتبكوا، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم... " س 16 - " أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة... ".
" سل عما أردت... ".
" أسألك عن الحكيم في أي شئ هو؟ وهل يحيط به شئ؟ وهل يتحول من شئ إلى شئ؟ أو به حاجة إلى شئ...؟ ".
ج 16 - أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنه من اغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم، وليس يفهم المتفاوت عقله، العازب حلمه، ولا معجز عن فهمه أولو العقل المنصفون، أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجة إلى ذلك، ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شئ، ولا على شئ إلا ان الخلق يمسك بعضه بعضا، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه، والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شئ ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن امساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك؟ إلا الله عز وجل، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سره، والمستحفظين لامره وخزانه، القائمين بشريعته، وانما أمره كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئا فإنما يقول له (كن فيكون) بمشيئته وارادته وليس شئ أقرب إليه من شئ، ولا شئ أبعد منه من شئ.. أفهمت يا عمران؟... ".
" نعم يا سيدي... ".
ان الانسان مهما أوتي من علم فهو عاجز عن معرفة نفسه وما فيها من الأجهزة الدقيقة المذهلة، فكيف ليعرف أو يحيط علما بالخالق العظيم، مبدع الأكوان، وواهب الحياة يقول ابن أبي الحديد:
فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر عليلا فكري كلما دان شبرا منك راح ميلا أنت حيرت ذوي اللب، وبلبلت العقولا ان فكر الانسان محدود فكيف يعرف حقيقة الله تعالى، نعم عرفناه وآمنا به بمخلوقاته، فكل ذرة في هذا الوجود تنادي بوجود الخالق العظيم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء والأرض.