فيك الأماكن التي الدعاء فيها متحقق الإجابة؟ أم لك مثل الميزاب الذي تصب عنه الرحمة صبا ويغدو المشتاق إليها مغرما ويروح صبا؟ ألك كالأبطح والبطحاء؟
أم في ثنايا ثغورك ككداء وكدا؟ كلا والله لا قائمة لك معي في بيت الفخار، ولا قاعدة ولا بارقة لك في سماء العلى ولا راعدة، وإياك ثم إياك تحتقرين مما يعود عليك ضرره، واقصري عن ثنائك، وقصري بعض خطوك، فقد دللتك طريق اخوان الصفا، ونصحتك فيما قلته وكفى.
فقامت المدينة عند ذلك على قدمها، ونظرت بعين الحمراء إليها، وكشفت للحرب عن ساقيها، وقالت: ويحك! ما هذا الفخار مع الافتقار، فإن تقولين أنا أصغر منك سنا، فإن أشرف أعضاء الإنسان العين، وأشرف العين الحدقة، وكيف ومقداري كبير وشرفي خطير، أما يكفيك مالك لا تعين، وتقولين ولا تسمعين، فلا بالوعظ تتعظين، ولا من عض الملام تمتعضين، فإن كنت أم القرى، وجميع البلاد افتتحت بالسيف، افتتحت أنا بالقرآن، وبالحقيقة أنا التي فتحتك، ومنعت عنك الشر فنجيتك، لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وأما قولك بأنك خصصت في الإقامة بالأكثر فذهلت عن المعنى، ﴿وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ (1)، ومتى طلع بدري من ثنيات الوداع لم يطلع لك معي نجم، أو تبسمت ثنايا ثغور أكامي بكت جفون ثلاث كدائك، أو استرقت شياطين خرابتك السمع من سماء سموي قابلتها ملائكة السكينة من سكاني بالرجم، وإن افتخرت بوادي إبراهيم ففي أوديتي قلب المحب يهيم، وأين العقيق من البطحاء؟
فلما سمعت مكة قالت: اللهم إني أبرأ إليك من القوة والجدل، وأستمد منك