وألبسني ملابس المفاخرة، وأعلى مقامي في الدنيا والآخرة، وجعل تربتي شفاء من السقام، وغباري دواء للجذام. قال الشاعر:
لا تحسب المسك الزكي كتربها * هيهات أين المسك من رياها فإلى مسجدي تشد الرحال من كل قرية وفلاة، والصلاة فيه بألف صلاة، فلا غرو إن سبقت في هذا المضمار، وركضت في ميدان الفخار، فأحق الخيل الفرس المعار.
فلما سمع الحرم المكي هذه العبارة وتضمنها الإشارة، وقال كأنك تقولين إياك أعني واسمعي يا جارة، أيتها المدينة المسكينة عليك بالسكينة، إلي تعرضين؟
أم علي تتعرضين؟ تالله ما سال إليك إلا ما فاض مني، ولا وصل إليك إلا ما فصل عني، أما سمعت قوله تعالى: ﴿فيه آيات بينات﴾ (1)، ألك مثل الكعبة ذات السور؟ أو البيت المقابل بالبيت المعمور؟ أفي صفاتك مثل الصفا؟ أم هل كان لك مقام كمقام إبراهيم؟ وهل ظفرت بالحجر المكرم الذي هو كالمقلة السوداء في البيت؟ فإن كانت الصلاة في مسجدك بألف، فهي في مسجدي بمائة ألف، وإن فخرت بحلول الشفيع ففي كان مسقط الرأس الرفيع، فارفقي بنفسك ولا تترفعي على أبناء جنسك.
فلما سمعت المدينة هذه المقالة اشتعلت ولا اشتعال الذبالة، وبرزت كالقمر وسط الهالة، وقالت: يا لله العجب! ما هذا الفعل الذي أتيت؟
لا تنه عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم ويلك ارفعي ذيل إعجابك، هيهات أين النجم من البدر؟ والقطر من