الغرض; أردنا الإشارة إلى تدبيراتها العملية وفهمها وفطانتها وبيان حكمتها، وقد مر في الحديث «أن في كل رأس حكمة». فزليخا الشابة وقعت في أسر الجمال اليوسفي تحت ضغط الأهواء، فأعرضت عن عالم الحقيقة واستسلمت لعالم المجاز وعبادة الوجوه، ولكن عشقها المكنون كان مشدودا إلى النبي، ولهذا ختم عمرها بالخير وكان عاقبة أيامها إلى خير وإقبال، فتوجه قلبها نحو الصواب; قد صبغت الصورة الظاهرية بصبغة معنوية لشدة اهتمامها وكثرة رياضاتها وفرط شوقها وتوطينها النفس على الوجد، واتجهت من شهود الحسن وجمال الصورة إلى وجه ذي الجلال، ودخلت بذلك عالم الكمال، والعاقبة أنها حظيت بالوصال وتحققت لها الآمال.
فآمنت زليخا وتعلمت معالم الدين، واستغرقت في طاعة رب العالمين، حتى صارت تسوف يوسف كلما طلبها، وتتعلل في الوصال وتقول: كنت يوم طلبتك لا أعرف ربك، أما وقد عرفته الآن فلا يسوغ لي أن أدخل غيره في قلبي.
وفي الحديث المشهور: «إن يوسف الصديق مر على زليخا وهي في خرابة وهو في موكب مهيب، فرآها منكرة مخذولة محزونة، فرحمها ووقف عليها يتفقد حالها فسألها: يا زليخا ما الذي دعاك إلى ما كان منك؟ قالت: حسن وجهك يا يوسف. فقال: كيف لو رأيت نبيا يقال له «محمد» يكون في آخر الزمان أحسن مني وجها، وأحسن مني خلقا، وأسمح مني كفا؟ قالت: صدقت. قال: وكيف علمت أني صدقت؟ قالت: لأنك حين ذكرته وقع حبه في قلبي، فأوحى الله إلى يوسف أنها صدقت، وإني قد أحببتها لحبها محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)...» (1) فلما سمعت اسم النبي