صم بكم عمي فهم لا يعقلون) (1) حتى أدركتها الهداية ببركة سليمان النبي، الحجة الإلهية الظاهرة، فقبلت الإيمان تدريجا، وقبولها الإيمان بمعنى حصول العلم اليقيني بالله وباليوم الآخر. فانجرت الآثار الكمالية لعقلها الأول إلى الصراط المستقيم والسيرة الربانية العادلة، واستنار جوهر عقلها باقتناء المعرفة واليقين ونور العلم، وكأن قوله «العقل حباء من الله» (2) صادق في حقها بالمآل نتيجة لحسن الحال، ولذا قال (عليه السلام): «ولا مال أعود من العقل» (3) لأن العقل يوجب الكثير من الحظوظ والمنافع والخيرات التي لا تحصل بالمال ألبتة، ويمكن اكتساب المال بالعقل ولا عكس، فالفقير حقيقة هو من لا عقل له وإن كان متمولا، ولنعم ما قيل:
ليس الفقير فقير المال والحشم * بل الفقير فقير العقل والأدب والغني من كان ذا عقل وإن كان مفلسا; وفي الحديث «العقل غطاء ستير»، يستر عيوب الإنسان.
نعود ولا نطيل فنقول:
أولا: إن بلقيس لم تكن معصومة.
ثانيا: إن نقصان العقل من لوازم النسوان.
ثالثا: إنما وصفت بلقيس بالعقل الإكتسابي وعقل التجارب - على اختلاف أسمائه - لا بالعقل الطبيعي النوراني الرباني، فلما رأت نفسها وعرشها بين يدي سليمان، ورأت إعراضه عن الهدايا، استنارت وأفيض عليها ابتداءا العقل