وإن ردها فهو نبي، ومحاربة الأنبياء لا تحمد عقباها، فقالت: ﴿إني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون﴾ (١). فلما أرسلت الهدية ردها سليمان (عليه السلام) وأحضرها وعرشها عنده، فاعترفت بالعجز وأقرت بوحدانية الحق تعالى ﴿فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين﴾ (٢).
ويكفي بلقيس - في حسن نظرها في عواقب الأمور وحسن تدبير عقلها الغريزي - أنها نالت شرف المثول بين يدي سليمان والتوفيق للإسلام ﴿قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾ (3). وهذا هو معنى قوله (عليه السلام):
«العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان» كما أشرنا سابقا.
وقد اختلفت الأقوال في زواج بلقيس، والمشهور أنها تزوجت رجلا من التبابعة ملوك اليمن، فأعادها إلى مقر سلطنتها في مأرب.
على أي حال، قال أهل الحق: قسم العلم ألفي جزء، أعطي منه الأنبياء والملائكة ألفا، وأعطي النبي الخاتم تسعمائة تسعة وتسعين جزئا، وقسم الجزء الباقي أربعة أجزاء، فجعل جزء في الناس عامة، وجزء في العلماء، وقسم جزء منه إلى نصفين، فنصف في أهل القرى والرساتيق، وجزء في النساء.
ومن هنا عبر بعض أهل العقل عن العقل بأنه «تمام العلوم»، فإذا جمعت صار صاحبها عاقلا كاملا، باعتبار أن هذه العلوم تعقل صاحبها من الوقوع في المهالك وتحفظه وتمنعه.