فدعى لها واستغفر لها ولقنها الولاية وأكمل لها دينها، وفي رواية أخرى: أنه جلس على شفير قبر فاطمة وقال: «ابنك ابنك علي لا جعفر ولا عقيل» (1).
هذه المرأة قضت عمرها في خدمة سيد الأبرار، وكانت تحكي بخدمتها وسلوكها خلوصها ومحبتها وشوقها، وكانت تعتقد في فاطمة الزهراء أنها خاصة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلاصة وجوده المبارك، وجوهره الصافي، وحقيقته المصطفوية الحقة، وترى رضا المصطفى في محبة فاطمة الزهراء وخدمتها والقيام بأمرها مقام أمها، فهل يصح أن يقال - بعد كل هذا - أنها لم تتبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أنها فارقته وخالفته في مسيرته؟!!
كيف وهذه الأخبار المعتبرة والآثار الكثيرة على أنها بذلت ما في وسعها، واجتهدت غاية الإجتهاد، ثمانين سنين في مكة وما بقي من عمرها إلى حين وفاتها في المدينة الطيبة، من أجل خدمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخدمة المستورة الكبرى فاطمة الزهراء بما يجل عن التقصير ويفوق حد التصور، وعليه فلا أظن أن تكون ثمة امرأة بجلالة فاطمة بنت أسد ما خلا خديجة (عليها السلام)، فعليها من الصلوات ما طابت، ومن التحيات ما طهرت، ما النجوم أنارت، وما الأفلاك دارت.
أما الحديث الثاني: في كتاب روضة الواعظين للفتال طاب ثراه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، قال: أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باكيا وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مه يا علي.
فقال: ماتت أمي فاطمة، فبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: رحم الله أمك يا علي، أما إنها إن كانت لك أما فقد كانت لي أما، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما،