ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " حم تنزيل من الرحمن الرحيم.. حتى بلغ - قالتا أتينا طائعين " فقال له أبو سفيان: أفرغت يا محمد؟ قال نعم ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمارة وركبتها وأقبلت هند على أبي سفيان: ألهذا الساحر أنزلت ابني قال: لا والله ما هو بساحر ولا كذاب " وأخرجه الطبراني أيضا.
وروى البخاري ومسلم قصة أبي سفيان عند هرقل كما حدث بها أبو سفيان ابن عباس ومنها سؤاله لأبي سفيان هذا: " قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قال: قلت لا " وفي آخر القصة يقول هرقل لأبي سفيان: " وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى ".
وأخرج الشيخان والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟
قالوا: نعم جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد! قال أبو لهب:
تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا فنزلت: (تبت يدا أبا لهب وتب). من هذه النصوص يتبين لك أن الثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم كانت متوفرة ولم يكن هذا الموضوع فيه شك أبدا وهذا الذي يعلل لنا:
ظاهرة الإيمان به من قبل حاربوه واحدا فواحدا طوعا لا إكراها أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب... ذلك لأنهم ما كانوا يشكون في أن محمدا صادق، ولكن فاجأهم بشئ لم يسمعوا به هم ولا آباؤهم فأنكروه، حتى إذا ذهب هول المفاجأة وحكموا عقولهم التقى صدق الفكر بالثقة الأساسية بشخص محمد صلى الله عليه وسلم فتولد عن ذلك إيمان.
ظاهرة الإخلاص له بعد الإيمان: فبعضهم لم يؤمن إلا آخرا بعد أن غلب كبقايا قريش فإنهم أخيرا غلبوا للإسلام، وكان يمنعهم من ذلك ثارات وأحقاد وشبهات وشهوات، حتى إذا دخلوا فيه تسليما للأمر الواقع وإذا بهم مخلصون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأتم ما يكون الإخلاص، ومتفانون في الإسلام بعد أن زالت عن أعينهم غشاوات، من بعدها تبينوا أن محمدا هو الأخ الكريم والابن الكريم فكانت معرفتهم به وثقتهم بشخصيته أساسا لإخلاصهم في طريقهم الجديد الذي ساروا به بعد ذلك فرحين.
وبعد فهذه شهادة خصوم: بعضهم أسلم بعد خصومة شديدة وبعضهم مات على كفره ولكن الجميع حتى في أشد حالات الخصومة كانوا مؤمنين أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق.